عندما تشتعل دور النشر… هل ينجو التراث الأدبي من رماد الحرب؟
خلال الحرب الأخيرة على لبنان احترقت مكتبات ودور نشر، مما كشف هشاشة تراثنا الأدبي وضرورة حمايته عبر الرقمنة. يناقش المقال كيف يضمن النشر الإلكتروني بقاء الأرشيف الثقافي، دون أن يلغي قيمة الكتاب الورقي ونسخته الموقّعة التي تبقى ذكرى لا تُنسى لدى القارئ.
كتبت هناء بلال
خلال الحرب الأخيرة على لبنان، احترقت دور نشر ومكتبات بكامل محتوياتها تحت نيران القصف والغارات، لتتساقط معها صفحات من الذاكرة الثقافية التي شكّلت وجداننا لعقود. لم تكن الخسارة مجرد أوراق تتطاير في الهواء، بل إرثًا أدبيًا عاشته أجيال متعاقبة، وتاريخًا نادرًا لنصوص لا تُعوَّض. هذه المأساة أعادت طرح سؤال أساسي: كيف نحمي تراثنا الأدبي في عالمٍ سريع التغيّر ومزدحم بالمخاطر؟
الكتاب اليوم لم يعد حكرًا على الورق، ولا الكاتب بات مرتبطًا بحضوره الشخصي في أمسية توقيع أو لقاءٍ ثقافي. العالم دخل عصرًا تتجاوز فيه الكلمة حدود الجغرافيا والزمن، وتنتقل فيه المعرفة بضغطة واحدة. المواقع الإلكترونية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي فتحت أبوابًا واسعة أمام الكتّاب والقرّاء على حدّ سواء، فصارت نافذة جديدة تضمن وصول النص إلى شريحة أكبر من الجمهور، وتحميه من الضياع مهما تبدّلت الظروف.
بات من الضروري أن يرافق كل إصدار ورقي نسخة إلكترونية تحفظه من التلاشي، وتسهّل الوصول إليه عند الحاجة. فالرقمنة لم تعد رفاهية، بل آليّة إنقاذ حقيقية لأي أرشيف معرض للتهديد. ملف إلكتروني واحد قادر على أن يعبر القارات ويبقى محفوظًا في خوادم متعددة، بينما نسخة ورقية واحدة قد تُفقد في لحظة بسبب حرب أو كارثة.
ومع ذلك، يبقى للكتاب الورقي مكانه الساحر الذي لا ينافسه شيء. تلك النسخة الموقَّعة من الكاتب، بخطّه الشخصي وحضوره القريب، تبقى ذكرى محفورة في ذاكرة القارئ؛ تستيقظ معها مشاعر خاصة لا تمنحها الشاشات. الكتاب الورقي ليس مجرد مادة للقراءة، بل أثر إنساني حيّ نحتفظ به، نضعه على رفوفنا، ونعود إليه كما نعود إلى رائحة بيت قديم يحمل جزءًا من روحنا.
إنّ حماية تراثنا الأدبي اليوم ليست في المفاضلة بين الورقي والرقمي، بل في الجمع بينهما. فالرقمنة تحمي النص من الضياع، والورق يحمي الروح التي تسكن الكلمة. وبين هذين العالمين نستطيع أن نصنع مستقبلًا يليق بقصصنا، ويحمي صفحاتنا من الاحتراق، حتى تبقى حيّة مهما تغيّر الزمن.


