الـ23 مليون دولار العائدة لـ«موظّف كبير» ليس مُصرَّحاً عنها | «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»: أنت وحظّك!

مقال يكشف ضعف تطبيق قوانين مكافحة الفساد في لبنان، من خلال مداخلات القاضي جان طنّوس وأعضاء هيئة مكافحة الفساد، وتسليط الضوء على غياب الموارد البشرية، وعدم التدقيق في 40 ألف تصريح ذمّة مالية، إضافة إلى أمثلة فاضحة عن ثروات مسؤولين غير مبررة وخلل بنيوي في عمل الهيئات الرقابية والقضائية.

ديسمبر 11, 2025 - 07:32
 0
الـ23 مليون دولار العائدة لـ«موظّف كبير» ليس مُصرَّحاً عنها | «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»: أنت وحظّك!

 كتبت زينب بزي في "الاخبار":

 «مبلغ الـ23 مليون دولار الذي كان لديه قبل تعيينه، لم يصرّح عنه وفق الأصول»، وتبيّن أن «أحد الموظفين برتبة متدنّية في الدوائر العقارية كان في حسابه 6 ملايين دولار لكن لم يسأله أحد عن مصدرها»، هذه الأمثلة وغيرها أطلقها القاضي جان طنّوس في مؤتمر «استقلالية القضاء، معاقبة الإثراء غير المشروع وحماية كاشفي الفساد» الذي نظّمته «جمعية الشفافية الدولية لبنان – لا فساد»، وهي كانت الدليل على أن قوانين مكافحة الفساد لا تُطبّق في بلد أنشأ هيئات مخصّصة لهذا الأمر من دون أن يمكّنها من تنفيذ مهامها.

في جلسات المؤتمر، تبيّن أنّ القوانين تواجه عشرات العثرات في طريقها للتطبيق. فبرغم إصدارها إلا أنّ أدوات تنفيذها غائبة، والهيئات المعنية تعمل بقدرات شبه معدومة. ففي الفقرة الأكثر «مأساوية»، كشف عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كليب كليب، أنّ الهيئة تعمل بعدد شبه معدوم من الموظفين، بالإضافة إلى بعض المتطوّعين.

ولفت إلى أنّ لدى الهيئة أربعين ألف تصريح ذمّة مالية، إلا أنّه لا يمكن فتحها للتدقيق في محتواها، لغياب الموارد البشرية اللازمة وذلك بعدما اضطروا إلى الاستعانة بثلاثة موظفين من وزارات أخرى. وهم لا ينفّذون تدقيقاً منهجياً، بل يختارون عيّنات عشوائية للتدقيق فيها. وقال، إنّهم استعانوا بموظفة من وزارة العدل لتستطيع مواكبة الأعضاء الستة في جلسات التحقيق التي تُعقد، وإنّ الهيئة بحاجة إلى نظام إلكتروني يسمح بمراقبة التصاريح آلياً أو مقارنة الحسابات بعضها ببعض، إذ إن كل شيء يتمّ يدوياً بملفات ورقية.

اللافت أن كليب تحدّث عن تلقّي الهيئة اتصالات من موظفين يستطلعون إمكانية الاطّلاع على تصاريحهم السابقة حتى لا يقعوا في خطأ في الحسابات عند التصريح القادم، وهذا بذاته دليل على عدم دقّة التصريحات. فما قاله كليب عن وجود التزام شبه تام بالتصريحين الأول والأخير بسبب الـ«رهبة»، يبقى رهن «المغلّفات المغلقة» التي يمكن أن تُفتح وتُدقّق، أو لا تُفتح. كلّه رهن «الحظ».

على الجانب الآخر من المسألة، قدّم القاضي المتقاعد جان طنوس مداخلة عن صعوبة تطبيق القوانين التي تُعنى بمكافحة الفساد لأنّ الهيئات المعنية لا تقوم بدورها كما يجب، ويقع «اللوم» في النهاية على القضاء. ولفت إلى وجود 7 أحكام فقط في جرائم تبييض الأموال. ومن دون أن يسمّيه، قدّم طنّوس بعضاً من جوانب قضية الحاكم السابق رياض سلامة، بوصفها أمثلة على الفساد الذي لا يُكافح.

وقال، إنه في أثناء التحقيقات التي كان يقوم بها، طلب تصريح الذمّة المالية الخاص بهذا «الموظف الكبير»، لكن لم يتبيّن له وجود الـ 23 مليون دولار التي تكلّم عنها في مقابلته الأخيرة باعتبارها مصدر ثروته منذ ما قبل تولّيه الوظيفة العامة. أيضاً أشار طنّوس إلى مسألة كفالة الـ14 مليون دولار، متسائلاً: «من أين تمّ تأمينها في ظل تجميد أمواله في لبنان والخارج؟»، معتبراً أنّه في حال حصل على «البراءة» واستردّها ستكون الدولة قد أقدمت على «تبييض أمواله». أيضاً أوضح أن أحد الموظفين في الدوائر العقارية كان لديه في حساباته المصرفية 6 ملايين دولار من دون أن يسأل عن مصدرها.

وتطرّق طنّوس إلى خلل بنيوي في ما يخصّ هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان التي يرأسها شخص تنفيذي هو نفسه حاكم المصرف المركزي. «هيك تركيبة ما بتصير إلا بلبنان». ولفت إلى أنّ الهيئة تتصرّف وكأنّها أعلى من القضاء نفسه لأنّ فيها قاضياً، إلى حدّ أنّ أحد أعضائها قال له صراحة: «إذا مش نحنا بلّشنا التحقيق، ما بحقّلكن تعملوه». وبرأي طنوس، هذا النموذج يحتجز المعلومات في مكان واحد، ويعطّل كامل المسار القضائي، ويحوّل «رفع السرّية المصرفية» إلى خطوة بلا أثر ما دامت البيانات الأساسية لا تصل إلى القضاء.