جنون العظمة… حين يتحوّل المخلِّص إلى مستبد

مقال فكري تحليلي يناقش كيف يتحوّل “المنقذ” في المجتمعات المقهورة إلى مستبد، عبر صناعة العصمة الجماهيرية، وتقديس الفرد، وتغييب النقد، محذرًا من أخطر أشكال الاستبداد الذي يولد من رحم المظلومية وصدق البدايات.

ديسمبر 30, 2025 - 11:30
 0
جنون العظمة… حين يتحوّل المخلِّص إلى مستبد

كتب د أسامة توفيق مشيمش :


جنون العظمة ليس حالة فردية معزولة، بل غالبًا ما يكون نتاجًا نفسيًا واجتماعيًا لمجتمعات عانت طويلًا من الاضطهاد والحرمان والإذلال. في مثل هذه البيئات، يولد الاحتياج إلى “منقذ”، إلى شخص يحمل آلام الناس، يتحدث بلسانهم، ويجسّد مظلوميتهم. يظهر هذا الشخص صادق النبرة، نقيّ السيرة، يعمل بإخلاص، ويتفانى في خدمة قضيته، فيلتف الناس حوله مبهورين بأخلاقه وتضحياته.

هنا تبدأ المرحلة الأولى من التحوّل الخطير. فالإعجاب يتحول تدريجيًا إلى تبجيل، والتأييد إلى طاعة عمياء. ومع توسّع القاعدة الشعبية، يصبح النقد خيانة، والسؤال تشكيكًا، والاختلاف خروجًا عن الصف. ومع أن القاعدة البشرية تقول إن من يعمل يخطئ، إلا أن “الماكينة” تبدأ بالعدّ التنازلي: تُغفر الأخطاء، تُبرَّر التجاوزات، وتُختلق الأعذار.

ثم نصل إلى اللحظة المفصلية، حين يتوقف العدّ. لا لأن الأخطاء انتهت، بل لأن الشخص ارتقى – في نظر أنصاره – إلى مرتبة العصمة. يصبح فوق المحاسبة، خارج النقد، محاطًا بهالة قدسية سياسية أو دينية. في هذه المرحلة، يولد الديكتاتور الكامل، الذي يملأ الأرض ظلمًا وعدوانًا، لكن تحت شعارات برّاقة لا يجرؤ كثيرون على إنكارها.


السؤال الجوهري ليس فقط: كيف تحوّل هذا “المنقذ” إلى مستبد؟ بل: من يتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأمور؟ هل هو الفرد وحده؟ أم الجماهير التي صنعت له العصمة، وأسقطت عنه إنسانيته، ومنحته سلطة مطلقة باسم الخلاص؟


إن أخطر أنواع الاستبداد هو ذاك الذي يولد من رحم المظلومية، ويتغذّى على صدق البدايات، ثم يدمّر كل ما ادّعى الدفاع عنه.