تُعتبر المجدّرة من أقدم الأطباق التي عرفها المشرق العربي، ويعود أصلها إلى بلاد الرافدين وبلاد الشام قبل أكثر من ألفي عام.
تشير بعض المراجع التاريخية إلى أن جذورها تمتد إلى المطبخ الآشوري والبابلي حيث كانت تُحضَّر من العدس والحبوب، لأن العدس كان من أوائل البقوليات التي زرعها الإنسان.
وفي القرن الثالث عشر الميلادي، ورد ذكر أكلة تشبه المجدّرة في كتاب الطبخ العربي الشهير "كتاب الطبيخ" لابن سيّار الورّاق، إذ وصفها بأنها تُطهى من العدس والقمح وتُزيَّن بالبصل المقلي.
من هناك، انتقلت وصفاتها إلى بلاد الشام ولبنان وفلسطين وسوريا، لتصبح جزءًا أصيلاً من المائدة اليومية، خصوصًا في أيام الصوم أو التقشّف.
الشعوب التي تناولتها قديمًا
العرب القدامى: كانت المجدّرة طعامًا شائعًا في البيوت الفقيرة والمتوسطة لأنها مشبعة وغنية بالقيمة الغذائية.
اليهود القدماء: تُشير نصوص توراتية إلى أكلة من العدس والقمح كان يُقدَّم مثل حساء بني إسرائيل، وهي ما يُعتقد أنها شكل بدائي من المجدّرة (وقد وردت قصة "عدس عيسو" في العهد القديم).
الأتراك والفارسيون: اعتمدوا وصفات مشابهة في مطابخهم القديمة، مثل “المجدّرة التركية” و”آش العدس الفارسي”، مع اختلاف في التوابل وطريقة الطهي.
الفلاحون في بلاد الشام: كانوا يقدّمون المجدّرة في نهاية موسم الحصاد كرمز للخير والبركة، وتُعتبر حتى اليوم “أكلة القرويين” بامتياز.
أنواع المجدّرة
تتنوع المجدّرة حسب المناطق:
المجدّرة البنية: تُحضَّر بالعدس البني والأرز وتُزيَّن بالبصل المقلي، وهي الأشهر في لبنان وسوريا.
المجدّرة الصفراء: تُطهى بالعدس الأصفر والبرغل بدل الأرز، وتُنكَّه بالكمون والكركم، وتشتهر في شمال فلسطين والأردن.
المجدّرة الساخنة أو الباردة: تُقدَّم ساخنة كوجبة رئيسية أو باردة مع اللبن والسلطة في الصيف.
الفوائد الصحية للمجدّرة
تُعد المجدّرة من أغنى الأطعمة النباتية بالبروتين والألياف والمعادن، وهي مثال رائع على وجبة متوازنة ومغذية:
المكوّن الفائدة
العدس غني بالبروتين النباتي والحديد والمغنيسيوم، ويساعد في الوقاية من فقر الدم.
الأرز أو البرغل مصدر ممتاز للكربوهيدرات المعقدة التي تمنح طاقة طويلة الأمد.
البصل المقلي يحتوي على مضادات أكسدة طبيعية ويُنشّط الدورة الدموية.
زيت الزيتون يساهم في خفض الكوليسترول السيّئ ويُعتبر عنصراً أساسياً في الحمية المتوسطية.
التوابل (الكمون، الكركم) تساعد في الهضم وتخفيف الانتفاخ، ولها خصائص مضادة للالتهابات.
كما أن المجدّرة خالية من اللحوم ومنخفضة التكلفة، ما جعلها عبر التاريخ وجبة متاحة للجميع، من الطبقات الفقيرة إلى الموائد الراقية.
خاتمة
المجدّرة ليست مجرّد طبق شعبي، بل رمز ثقافي وحكاية تاريخية عن الصبر والبساطة والغنى الغذائي في آن واحد.
فهي تجمع بين قيم التراث والتغذية المتوازنة، وتذكّرنا بأنّ أبسط المكونات يمكن أن تصنع أطيب النكهات وأكثرها فائدة.