جبران تويني… حين صمتت الأقلام وبكت السماء!

يروي المقال لحظةً فارقة من الذاكرة الصحافية في بيروت، حين تحوّل معرض الكتاب من مساحة احتفال بالكلمة إلى ساحة صمت وحداد مع وصول خبر اغتيال جبران تويني. في ذلك اليوم، خفَتَت الفعاليات، تراجع الزوّار، وانكسرت حركة المدينة، وكأنّ الكلمة نفسها توقّفت عن التنفّس. يستحضر النص وجع بيروت في شتائها الحزين، ويؤكّد أنّ رحيل جبران لم يكن مجرّد غياب شخص، بل خسارة صوتٍ حرّ ترك أثره العميق في الساحة الإعلامية، وقسمًا أخلاقيًا ما زال حيًّا في ضمير الصحافة: أن تبقى الكلمة موقفًا، مهما اشتدّ الظلام.

ديسمبر 12, 2025 - 11:55
 0
جبران تويني… حين صمتت الأقلام وبكت السماء!

كتبت هناء بلال 

كُنّا هناك…

في قلب معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، حيث الكلمات تمشي على أطراف أصابعها بين الأجنحة، والكتب تُفتح كما لو أنّها نوافذ على مستقبلٍ أقلّ قسوة. كُنّا نغطي الفعاليات، نلاحق العناوين،  نجري ونركض وراء الكتّاب لنحصل على كلماتهم ويكتمل الخبر لنرسله .. كنا نصدّق  ولو مؤقتًا  أنّ بيروت ما زالت قادرة على الاحتفال بالكلمة.

وفجأة…
وافانا الخبر.

اغتيال جبران تويني.

لم يكن خبرًا عابرًا، بل زلزالًا صامتًا. توقّفت الجملة في منتصفها، وانكسرت الأقلام، وساد صمت ثقيل كأنّه حداد جماعي لم يُعلن عنه بعد. في تلك اللحظة، لم تمت كلمة، بل اتّخذت الكلمة موقفها… ووقفت إلى جانب صاحبها.

خفتت فعاليات المعرض، وتراجعت الخطى في الممرّات. قلّ الزوّار، وتوقّفت الأحاديث، وكأنّ الكتب أغلقت صفحاتها حدادًا. حتى الأضواء بدت خافتة، وكأنّها لا تريد أن تفضح هذا الوجع.
الكلمة خفّ وهجها أيامًا طويلة، لا عجزًا… بل حزنًا.

وبيروت؟
لم تستعد عافيتها سريعًا.

كان الشتاء يهبط على أزقّتها كمعطف ثقيل، والمياه تجري في الشوارع بلا وجهة، والسماء تبكي بلا خجل. مدينة كاملة بدت كأنّها تقرأ خبر اغتيالها هي الأخرى، سطرًا سطرًا.

رحل جبران…
وغاب صوته عن الساحة الإعلامية، لكنّ غيابه لم يكن فراغًا، بل أثرًا. أثر يشبه الصدى الذي لا يزول، والجرح الذي يذكّرك بأنّ الكلمة حين تكون صادقة، تُصبح خطرًا على من يخافها.

ترك خلفه قسمًا…
قسمًا جمعنا، وحفظناه، لا في الذاكرة فقط، بل في الضمير. قسم بأن تبقى الكلمة صادقة، مهما حاولوا إسكاتها، وبأن تبقى بيروت  رغم كل شيء مدينة تُغتال فيها الحقيقة، لكنها لا تُدفن.

رحل جبران،
لكنّ الكلمة التي عاش من أجلها…
ما زالت هنا!!