بين الضجيج والضمير.. من يصنع وعي الجيل؟

نوفمبر 3, 2025 - 16:03
نوفمبر 12, 2025 - 15:19
 0
بين الضجيج والضمير.. من يصنع وعي الجيل؟

كتبت هناء بلال 

لسنا هنا لنخوض في جدلٍ عقيم حول من أخطأ بحق من ، هل هي الصحافية الشابة أم الاعلامية المخضرمة. 

فالمساجلات الشخصية لا تبني مهنة ولا ترفع وعيًا، بل تُستنزف في زوايا ضيقة لا تقدّم شيئًا للناس ولا للصحافة نفسها.

السؤال الحقيقي الذي يجب أن نقف أمامه هو: ماذا قدّمنا لأجيالنا؟
ماذا نترك لهم ليتبعوه؟ أي نموذج نقدّم؟ وأي رسالة نرسّخ؟

الأجيال تتعلّم بالفعل لا بالخطاب، وبالقدوة لا بالعتاب.
فإن قدّمنا قيمةً اتبعوها، وإن انشغلنا بالصراعات والتراشق، فلن نلومهم إن حملوا ما نزرعه اليوم.

نحن أمام ساحة إعلامية ممتلئة؛ لكن الامتلاء لا يعني الغنى.
الضجيج لا يصنع وعيًا.
والانتشار لا يعني التأثير الحقيقي.

هنا يتقدّم دور صانعي المحتوى اذ لا  يكفي أن نملأ الشاشات والمنصات، بل أن نملأ العقول بما ينفع ويثري ويهدي إلى فكرة، ومعرفة، ورؤية.

جيل اليوم لا يبحث فقط عمّن يتحدث بل عمّن يفهم، ويضيء، ويفتح نافذةً على المعنى وسط زحام الصور والعبارات العابرة.

إن مسؤولية الكلمة والصورة أصبحت أكبر من أي وقتٍ مضى.
المنصة ليست مكانًا للظهور، بل منبرًا لصناعة وعيٍ وصياغة فهمٍ وتقديم نموذجٍ يُحتذى.

ولذلك، حين ننهي الجدل حول الأسماء، علينا أن نبدأ في طرح السؤال الأهم:

هل نحن نقدّم محتوى يليق بالمرحلة؟
هل نرتقي بالمهنة ونحمي قيمتها؟

في العقد الأخير، تحوّل المحتوى الرقمي إلى قوةٍ تقود الوعي، وتحدد الذوق العام، وتصنع النماذج التي يحتذي بها الشباب. ومع هذا التحول الكبير، برزت مفارقة مؤلمة في عالمنا العربي: بدل أن يصبح المحتوى رافعةً للمعرفة والتنمية، أصبح في كثير من الأحيان ساحةً مفتوحة للتفاهة والانحدار الفكري.

هذا المشهد لا يأتي من فراغ. فالنقاش حول نوعية المحتوى لا ينفصل عن التحولات الاجتماعية والثقافية، ولا عن طبيعة المنصات التي تفرض إيقاعها على المنتج والمتلقي معًا.

ثقافة الاستهلاك السريع

تعمل منصات التواصل وفق منطقٍ بسيط  كلما زادت المشاهدات والتفاعل، زادت الأرباح. وهذه المعادلة فتحت الباب واسعًا أمام المحتوى السهل، القصير، القائم على الصدمة والضحك والعبث، لأنه أسرع انتشارًا وأقل تكلفةً في الإنتاج.

ومع الوقت، أصبح المتلقي أسيرًا لجرعة يومية من الإلهاء والمتعة السطحية، تُصرف له على شكل فيديوهات قصيرة وأفكار مختزلة، تلمع لثوانٍ ثم تتلاشى، تاركةً خلفها وعيًا هشًا وعطشًا لا ينتهي.

دور الجمهور… ومسؤوليته

من السهل تحميل المنصات وحدها المسؤولية، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فالجمهور الذي يمنح الإعجابات والمشاركات هو نفسه شريكٌ في صناعة المشهد. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن الذوق العام تُشكّله سنوات طويلة من التربية والبيئة والتعليم والإعلام.

جيل اليوم لا يحتاج من يصنع له ضجيجًا، بل من يصنع له أفقًا.
وإن كنا نطمح لإعلامٍ يليق بوعينا وبتاريخ هذه المهنة، فعلينا أن ندرك أن مسؤولية تشكيل المستقبل تبدأ بكلمة، وتكتمل بنموذج، وتستمر بعملٍ لا يساوم على قيمه.

ولن يُذكَر منا إلا من كان صوته جسراً لا سيفًا، وبصمته هادفة لا عابرة، ورسالةً تبني ولا تهدم.