حين التقى دجلة والفرات في الدوحة: عودة القيصر وعزيز الرسّام بعد 21 عامًا

بعد غياب دام 21 عامًا، يجدد كاظم الساهر تعاونه مع الشاعر عزيز الرسّام في الدوحة، في لقاء فني شاعري يشبه التقاء دجلة والفرات، حيث تمتزج الكلمة العميقة باللحن والصوت القيصري، استعادةً لملحمة «لا يا صديقي» وتأكيدًا على خلود الشراكة الفنية الأصيلة.

ديسمبر 14, 2025 - 07:42
ديسمبر 14, 2025 - 07:49
 0
حين التقى دجلة والفرات في الدوحة: عودة القيصر وعزيز الرسّام بعد 21 عامًا

كتبت هناء بلال 

بعد واحدٍ وعشرين عامًا من الصمت، عاد الصوت إلى كلمته، وعادت الكلمة إلى صوتها. لم يكن لقاءً عابرًا، بل مصالحة زمنٍ مع ذاته، حين اجتمع النجم كاظم الساهر والشاعر عزيز الرسّام في الدوحة، كأن نهري دجلة والفرات قرّرا أخيرًا أن يغيّرا مجراهما، ويصُبّا دفعةً واحدة في قلب مدينةٍ تعرف كيف تُنصت للفن حين يأتي كاملًا.

 

فاض عزيز الرسّام شعرًا، كما يفعل النهر حين يثق بالأرض التي سيعبرها. كلماته لم تأتِ مزخرفة، بل مشبعة بالتجربة، مُحمّلة بذاكرة السنين، تعرف كيف تهمس بدل أن تصرخ، وكيف تُصيب القلب من دون أن تستأذنه. كانت الكلمات تمشي بخفّة، لكنها تترك أثرًا عميقًا، كخطى الغياب الطويل.

أما كاظم الساهر، فكان اللحن قبل أن يكون صوتًا. عزف على المسافة بين الحرف ومعناه، وصاغ من الجملة الموسيقية طريقًا يمرّ عبر الحنين، ويتوقّف عند الوجع، ثم يمضي نحو الضوء. صوته، وقد صار أكثر حكمة، لم يعد يبحث عن القمّة، لأنه بات هو القمّة نفسها؛ صوتٌ يعرف متى يشتد، ومتى ينكسر، ومتى يكتفي بأن يكون صلاةً تُقال على مهل.

في هذا اللقاء، لم تُغنَّ الكلمات، بل استُعيدت. كأن القيصر لم يؤدِّ نصّ عزيز الرسّام، بل أعاده إلى الحياة، نفخ فيه من روحه، ومن خبرته، ومن ذلك التعب الجميل الذي لا يعرفه إلا الفنانون الذين عبروا الزمن ولم ينكسروا. كان الغناء هنا اعترافًا، وكان اللحن ذاكرةً تمشي على نغمة.

ومن يعرف تاريخهما يدرك أن ما جرى في الدوحة ليس بداية، بل عودة إلى ملحمةٍ قديمة، كُتبت يوم التقيا في أغنية «لا يا صديقي»؛ تلك الأغنية التي لم تكن عملًا فنيًا فحسب، بل مرآةً لكرامة الإنسان حين يُخذل، وصوتًا يقول “لا” باسم القلب كله. يومها، كتب الرسّام الألم كما يُكتب القدر، وغنّاه الساهر كما لو كان يرويه عن نفسه، فبقيت الأغنية حيّة، عصيّة على الغياب.

في الدوحة، التقى النهران من جديد. لم يعلُ هديرهما، بل تعمّق. ولم يغرقا المكان، بل منحاه حياة. أكّدا أن بعض الأصوات خُلقت لكلماتٍ بعينها، وأن بعض اللقاءات لا ينهيها الزمن، بل يؤجّلها… إلى لحظة تكون فيها أكثر صدقًا، وأكثر جمالًا.