حين يرحل الكبار دفعة واحدة: من خسر لبنان في 2025؟
عام 2025 شكّل واحدة من أقسى سنوات الفقد الثقافي في لبنان، مع رحيل أسماء بارزة في الموسيقى والمسرح والإعلام والشعر، تركت أثرًا عميقًا في الذاكرة اللبنانية.
لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا في الذاكرة اللبنانية. لم يحمل فقط أزماتٍ سياسية واقتصادية متراكمة، بل دوّن في صفحاته خسارات ثقافية وفنية وإنسانية قاسية، رحل خلالها عدد من الأسماء التي شكّلت، كلٌّ بطريقتها، جزءًا من الوعي اللبناني الحديث. أسماء صنعت المسرح والموسيقى، شكّلت الصوت والصورة، وكتبت الكلمة الحرة، ثم غادرت بهدوء… تاركة فراغًا لا يُملأ بسهولة.
زياد الرحباني: غياب العقل الساخر وضمير الأسئلة
برحيل زياد الرحباني، فقد لبنان أكثر من موسيقي أو كاتب مسرحي. فقد حالة فكرية كاملة. زياد الذي حوّل المسرح إلى مرآة قاسية للمجتمع، والموسيقى إلى مساحة احتجاج ذكي، لم يكن ابن المدرسة الرحبانية فحسب، بل كان تمرّدها الأوضح. لغته الساخرة، مواقفه السياسية، وأعماله التي ما زالت تُتداول كأنها كُتبت أمس، جعلت من رحيله خسارة وطنية تتجاوز الفن إلى الوعي العام.
أنطوان كرباج: خشبة المسرح التي انطفأ نورها
كان أنطوان كرباج واحدًا من أعمدة المسرح اللبناني، ووجهًا لا يُفصل عن ذاكرة الدراما الكلاسيكية. صوته، حضوره، وهيبته على الخشبة جعلت منه رمزًا لجيلٍ أسّس المسرح بوصفه رسالة لا مجرد عرض. رحيله بعد صراع مع المرض أعاد طرح سؤال قاسٍ: ماذا يبقى من الفنان حين تنطفئ الأضواء ويبقى وحده في الظل؟
وليد العلايلي: ممثل التفاصيل الإنسانية
لم يكن وليد العلايلي نجمًا صاخبًا، لكنه كان حاضرًا بثبات في الدراما اللبنانية. أداؤه الهادئ، وقدرته على منح الأدوار الثانوية وزنها الحقيقي، جعلاه محبوبًا لدى الجمهور وزملائه. رحيله المفاجئ شكّل صدمة، لأنه مثّل خسارة لذلك النوع من الفنانين الذين يصنعون العمود الفقري لأي مشهد درامي.
مها بيرقدار الخال: أنثى الشعر والفن
برحيل مها بيرقدار الخال، خسر لبنان صوتًا ثقافيًا أنثويًا رصينًا، جمع بين الشعر والفن التشكيلي. لم تبحث عن الأضواء، لكنها كانت حاضرة بعمق في المشهد الثقافي، خصوصًا في تقاطعه مع الحداثة الشعرية التي مثّلها جيل مجلة «شِعر». كتابتها ولوحاتها حملت حساسية عالية، واشتغلت على الجمال بوصفه موقفًا وجوديًا لا ترفًا فنيًا.
إسكندر حبش: المثقف الذي قاوم بالكلمة
برحيل إسكندر حبش، خسر لبنان شاعرًا ومترجمًا وناقدًا ثقافيًا اشتغل بصمت، لكن بعمق. كان من الأصوات التي تحرس المعنى، وتؤمن بأن الثقافة فعل مقاومة. كتاباته وترجماته شكّلت جسرًا بين القارئ العربي ونصوص عالمية، ورحيله بدا كغياب مثقف لم يساوم يومًا على الكلمة.
طليع حمدان: صوت الزجل الحرّ وحارس الذاكرة الشعبية
برحيل طليع حمدان، خسر لبنان أحد الأصوات الزجلية التي حملت الكلمة المحكية إلى مستوى فني وثقافي عالٍ. كان شاعرًا زجليًا صاحب حضور، يكتب ويقول الشعر بوصفه موقفًا، لا مجرد مبارزة كلامية أو فولكلور عابر.
تميّز طليع حمدان بلغته الصادقة، القريبة من الناس، وبقدرته على التقاط الهمّ اليومي وتحويله إلى بيتٍ زجليّ يحمل المعنى والجرس معًا. في قصائده، حضرت القرية والمدينة، السياسة والوجدان، والإنسان البسيط الذي يرى في الزجل مرآة لكرامته وهويته.
يمنى شري: صورة الشاشة وحنين التسعينيات
ارتبط اسم يمنى شري بمرحلة ذهبية من التلفزيون اللبناني، خصوصًا عبر شاشة المستقبل. حضورها الحيوي، وبرامجها التي شكّلت جزءًا من ذاكرة جيل كامل، جعل من خبر رحيلها في الغربة صدمة مؤلمة. غابت بعيدًا عن الوطن، لكن صورتها بقيت قريبة من الذاكرة.
بسام براك: الإعلامي والمعلّم
لم يكن بسام براك مجرد إعلامي ظهر على الشاشة، بل كان أستاذًا ومُدرّبًا وصوتًا مهنيًا هادئًا. أثره الحقيقي تجلّى في أجيال من الإعلاميين الذين تعلّموا على يديه معنى الكلمة المسؤولة والحضور المتزن. رحيله بعد معاناة مع المرض شكّل خسارة مضاعفة: للشاشة وللقاعة التعليمية معًا.
هدى شديد: صحافية قاومت حتى النهاية
جسّدت هدى شديد صورة الصحافية الصلبة، التي لم تنكسر حتى في مواجهة المرض. حضورها الإعلامي اتسم بالجرأة والوضوح، وارتبط اسمها بمهنية عالية وإنسانية واضحة. رحيلها لم يكن فقط غياب إعلامية، بل خسارة نموذج لامرأة واجهت الألم من دون أن تتخلّى عن صوتها.
ماهر الشوا: حين يرحل الصوت الذي اعتدناه
كان ماهر الشوا من الأصوات الإذاعية التي عرفها اللبنانيون قبل أن يعرفوا ملامحها. التزامه باللغة والمهنية جعله أحد وجوه إذاعة لبنان الراسخة. رحيله بدا كأن الإذاعة فقدت نبرة من نبراتها الأساسية، تلك التي ترافق الناس بصمت يومي.
لم تكن هذه الخسارات أحداثًا منفصلة، بل بدت كأنها فصل واحد من حكاية بلدٍ يودّع وجوهه الثقافية تباعًا. في عام 2025، لم يخسر لبنان أسماء فقط، بل خسر أجزاء من ذاكرته، من صوته، ومن صورته عن نفسه.
ويبقى السؤال معلّقًا:هل يكتفي لبنان بالرثاء… أم يحفظ ما تبقّى من ثقافته قبل أن يتحوّل الغياب إلى عادة؟


