جولة الجنوب "الديبلوماسيّة" تغيّر قواعد مؤتمر باريس؟

جولة السفراء والملحقين العسكريين جنوب الليطاني شكّلت تحوّلًا سياسيًا وأمنيًا قبل مؤتمر باريس، حيث عزّز الجيش اللبناني موقعه التفاوضي وأثبت حضوره الميداني، ما غيّر شروط النقاش الدولي وحدّ من الرواية الإسرائيلية.

ديسمبر 18, 2025 - 08:40
 0
جولة الجنوب "الديبلوماسيّة" تغيّر قواعد مؤتمر باريس؟

 كتب ميشال نصر في "الديار":

 لم تكن جولة السفراء والملحقين العسكريين المعتمدين في لبنان مطلع الاسبوع على منطقة جنوب الليطاني، مجرّد محطة بروتوكولية تسبق مؤتمر باريس المرتقب، بل شكّلت حدثًا سياسيًا - أمنيًا بامتياز، و "ضربة معلم" من اليرزة لجهة التوقيت، حيث أعادت ترتيب أوراق النقاش قبل جلوس الأطراف إلى الطاولة في حضور قائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث سبق الميدان الخطاب، وفرض وقائع ملموسة على جدول الأعمال، في لحظة إقليمية تتسم بحساسية استثنائية، وتشابك المصالح الدولية.

ولعل ابرز ما أنتجته الجولة، هو تحويل الانتشار العسكري اللبناني من مادة جدل سياسي إلى حقيقة ميدانية واقعية، اذ ما رآه الديبلوماسيون والضباط الأجانب جنوب الليطاني، من انتشار منظّم وضبط دقيق وتنسيق فعلي مع القوات الدولية، لا يمكن تجاهله او التغاضي عنه في باريس، على ما يؤكد مصدر معني، مضيفا ان الجيش حقق هدفه من المشهد بمنح قائده ورقة قوة تفاوضية أساسية، إذ "سيدخل المؤتمر مسنودا بمعاينة مباشرة، لا بتقارير مكتبية أو سرديات متناقضة"، مضيفة "في هذا السياق، يصبح النقاش في باريس أقل قابلية للانجرار خلف "الرواية الإسرائيلية"، التي لطالما ركّزت على "فراغ أمني" تارة، أو "عجز الدولة اللبنانية" طورا".

وتتابع المصادر بان توقيت الجولة لم يكن تفصيلًا، اذ سبقته حملة ديبلوماسية إسرائيلية نشطة، هدفت إلى تحميل لبنان مسؤولية أي توتر محتمل، والدفع نحو تشديد الشروط أو إعادة النظر في الترتيبات القائمة جنوب الليطاني، فجاءت خطوة اليرزة لتفرغ هذه الحملة من مضمونها، عبر نقل النقاش من مستوى الاتهام إلى مستوى المعاينة، حيث شاهد الديبلوماسيون، وفي مقدمتهم سفراء واشنطن والرياض وباريس، المعنيون المباشرون بلقاء باريس، والذين اجمعوا على ان المنطقة تخضع لسلطة دولة، "رغم الهامش الضيق ، كما ورد في تقرير احدهم، ما سينعكس مباشرة على مواقف الدول المشاركة في مؤتمر باريس، ويحد من قدرة "إسرائيل" على فرض أجندتها الأمنية كما في مراحل سابقة.

اما على الصعيد الامني والسياسي، والكلام للمصادر، فقد كرّست الجولة الجيش اللبناني باعتباره الشريك الوحيد القابل للحياة في أي مقاربة مستقبلية للجنوب، وهوعامل يكتسب وزنًا مضاعفًا في مؤتمر يحضره قائد الجيش شخصيا، حيث تتحول المؤسسة العسكرية من موضوع "نقاش" إلى "فاعل أساسي" في رسم الحلول، اذ بالنسبة لفرنسا التي تؤدي دور الراعي السياسي والأمني لهذا المسار، تشكّل الجولة دليلا إضافيا على أن الاستثمار في الجيش اللبناني لا يزال خيارا استراتيجيا، لا مجرّد التزام أخلاقي، ما يُتوقع أن ينعكس على الطاولة عبر تركيز أكبر على الدعم اللوجستي والتقني، بدل البحث في صيغ بديلة أو ضغوط إضافية.

غير ان المصادر تستدرك، ان ما تقدم لا يعني "أن مؤتمر باريس سيخرج بانتصار ديبلوماسي كامل للبنان، لكن المؤكد أن سقف الضغوط سيتغيّر، فبدل مقاربة تقوم على الشك والاتهام، ستُفرض مقاربة أكثر واقعية تنطلق من معادلة واضحة: جيش ينتشر، ينسّق، ويمنع الانفلات، لكنه يحتاج إلى غطاء سياسي ودعم مستدام". معادلة تمنح العماد هيكل هامش حركة أوسع في النقاش، وتتيح له الانتقال من موقع الدفاع عن الأداء إلى موقع المطالبة بتعزيزه.

وتختم المصادر بان جولة السفراء والملحقين العسكريين جنوب الليطاني لم تغيّر موازين القوى، لكنها غيّرت شروط النقاش، وفي الديبلوماسية غالبا ما يكون تعديل جدول الأعمال بحد ذاته إنجازا. وعليه فان لبنان يدخل مؤتمر باريس هذه المرة وهو يحمل معه صورة الميدان، لا فقط أوراق التفاوض، فيما يدخل قائد الجيش القاعة مسنودا بمعاينة دولية تقول بوضوح: الجنوب ليس فراغًا، بل مساحة دولة نجحت في الاختبار الدولي، من منظورها.