هل يعرفه المفكرون العرب كما يعرفون هيغل وكنط.. محمد حسين الطباطبائي.. من هو؟

ديسمبر 19, 2025 - 20:44
 0
هل يعرفه المفكرون العرب كما يعرفون هيغل وكنط.. محمد حسين الطباطبائي.. من هو؟

 كتبت سلوى فاضل:

درستُ الفلسفة في الجامعة اللبنانية على يد أستاذي العظيم الفيلسوف العربي موسى وهبة، كنت أعشق الفلسفة بطريقته في إدخالها إلى المخ، المخ المليئ بالنظريات الأرسطيّة والهيغيليّة والماركسيّة وغيرها على مدى 8 سنوات، 4 منها بالليسانس و2 بالدبلوم و2 بالماجستير، لكنه لم يأتِ يومًا على ذكر العلامة محمد حسين الطباطبائي الفيلسوف الشيعي الإيراني، لعلة ما في المنهاج اللبناني، ربما لأن أساتذتنا يدرسون في الغرب غالبًا فلاسفة غربيين، ولأسباب متعددة أخرى. وسنشكر الله أصلًا لأن التدريس في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية الفرع الأول لا زال باللغة العربيّة. وكان الفيلسوف موسى وهبة الرائد في مجال العمل على التفلسف بالعربيّة وإن كان مشروعه العظيم قد توّقف بعد رحيله الباكر.
بالعودة إلى الفيلسوف الطباطبائي، لا بد من أن نعترف أن النقص في الإطلّاع على المفكرين والفلاسفة غير الغربيين يعود لأسباب تغريبيّة عامة في لبنان، والتي تشمل الحياة كلها وأوجهها بشكل عام، فالتغريب يُعد حداثة وما بعد الحداثة.

نحو إحياء الفكر الإسلامي

أراد "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي" وضمن "سلسلة الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي" أن يكرّم العلماء والفلاسفة والمفكرين الإسلاميين، خاصة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران التي توجهت نحو إحياء الفكر الإسلامي بشكل معاصر بعيد عن التقليد، فكلّفت مجموعة من المؤلفين لوضع كتاب ضخم عن الفيلسوف محمد حسين الطباطبائي (1904-1981 ميلادية) باللغة الفارسية مع ترجمة لعباس صافي، وقد تمحورت الدراسة حول عدة عناوين بلغ عددها 17 عنوانا، من إعداد أساتذة كبار وعلماء حوزة وأكاديميين، وهم: الشيخ جعفر سبحاني، والشيخ إبراهيم أميني، والشيخ عبدالله جوادي آملي، والشيخ هاشم زاده هريسي، ومحمد رضائي يزدي، والدكتور عبدالكريم سروش، وأحمد حسين شريفي، ومصطفى خليلي، والسيد جعفر شهيدي، ومحسن فسائي، والدكتور السيد حسين الحسيني، والدكتور علي تاجديني، والدكتور مجيد كافي، والسيد حسين الحسيني، والدكتور مسعود آميد.
هؤلاء جميعًا قد لا يكونوا معروفين لدى القرّاء العرب إلا البعض منهم ممن نشر إصداراته في دور نشر عربية (لبنانيّة أو مصريّة). من هنا يُعد الكتاب التوثيقي التحليلي هذا وثيقة مهمة بحق الفيلسوف الطباطبائي الذي اشتهر لدى الشيعة في العالم بتفسيره للقرآن الكريم المُسمى بـ(تفسير الميزان) والذي يقدّم رؤيته لتفسير القرآن الكريم بإسلوب شمولي ثقافي فكري روحاني تاريخي.

من هو؟

ولد في تبريز، لكنه عاش ولفترات طويلة في النجف الأشرف التي عاد منها إلى قم بسبب الحرب العالميّة الأولى، وقد عانى الفقر فعمل لسنوات طويلة بالزراعة، انقطع خلالها عن الدرس والتدريس مما جعله حزينًا.
ومن أبرز أستاذته العلامة آية الله النائيني، والعلامة السيد أبو الحسن الأصفهاني، والشيخ محمد حسين الأصفهاني، والعلامة السيد البادكوبي، وأبا القاسم الخونساري، والعرفاني ميرزا علي آغا القاضي.. ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانيّة عاد إلى العلم والتعلّم في قم المقدسة، فعادت الحياة إلى روحه بعد انقطاع كما يقول.
شكّل جمعيّة ضمت أهم العلماء في الحوزة في قم لمواجهة الإعلام المادي، وضمت هذه الجمعية كلّ من "السيد موسى الصدر، والشيخ مرتضى مطهري، وإبراهيم أميني، ومهدي الحائري، والشهيد قدوسي، وجعفر سبحاني..". 

تفسير الميزان

وفي تفسيره (الميزان) فسّر القرآن بالقرآن فلم يعتمد على الأحاديث أو النظريات العلمية أو الـتأويلات أو الفتاوى أو الآراء أو النظريات العلمية، وهو ما لاقى استحسانا عظيما لدى المسلمين بكافة مذاهبهم، وخاصة في بلد عريق كمصر بـ"دار التقريب" التي أشادت بتفسيره المعاصر حيث عمد في نهاية كلّ آية إلى تحديد الموضوعات الواردة في الآية، لذا عُرف بالتفسير الموضوعي أيضًا. 

ما حوى الكتاب 

شمل الكتاب - الدراسة الموضوعات التالية: لمحات من حياة الأستاذ العلامة الطباطبائي للشيخ جعفر السبحاني، ونظرة على أخلاق العالم الربّاني العلامة الطباطبائي وسلوكه للشيخ إبراهيم أميني، والشمولية لدى العلامة الطباطبائي للشيخ جعفر السبحاني، والعلامة الطباطبائي تأملات في منهجه التفسيري للشيخ عبدالله جوادي آملي، ورؤية العلامة الطباطبائي إلى القرآن للشيخ هاشم زاده هريسي، والاقتصاد في تفسير الميزان للأستاذ محمد رضائي يزدي، والسيرة الفلسفية للأستاذ العلامة الطباطبائي للشيخ عبدالله جوادي آملي، والعلامة الطباطبائي والإدراكات الاعتبارية للدكتور عبدالكريم سروش، والعقل والتعقل في المعارف الدينية من وجهة نظر العلامة الطباطبائي لأحمد حسين شريفي، والمعاد من وجهة نظر العلامة الطباطبائي لمصطفى خليلي، والإمامة في تفسير الميزان للسيد جعفر شهيدي، والأعمال الكاملة للعلامة محسن فسائي، والتعددية الدينية في القرآن الكريم وآراء العلامة الطباطبائي للدكتور السيد حسين الحسيني، ومبادئ علم الجمال والفنّ في فكر العلامة الطباطبائي للدكتور علي تاجديني، والمجتمع في فكر العلامة الطباطبائي للدكتور مجيد كافي، والأنثروبولوجيا الدينية في تفسير الميزان للسيد حسين الحسيني، والعلامة الطباطبائي وعلم الأخلاق للدكتور مسعود أميد.

مؤلفاته

أما مؤلفاته فهي: أصول الفلسفة، الأعداد الأولية، بداية الحكمة في الفلسفة، نهاية الحكمة في الفلسفة، تعليقات على كتاب الأسفار الأربعة لصدر المتألهين الشيرازي، تعليقات على كتاب أصول الكافي للكليني، تعليقات على كتاب بحار الأنوار للمجلسي، تعليقات على كتاب الكفاية في علم الأصول للخراساني، كتاب التوحيد، رسالة في الاعتباريات، رسالة في المجاز، رسالة في الإنسان قبل الدنيا، رسالة في الإنسان في الدنيا، رسالة الإنسان بعد الدنيا، رسالة في التحليل رسالة في التركيب، رسالة في الذات، رسالة في علم الإمام، رسالة في القوة والفعل، ورسالة في المشتقات، رسالة في المغالطة، رسالة في النبوءات والمنامات، رسالة في نظم الحكم، رسالة في الوحي، رسالة في الوسائط، رسالة في الولاية رسالة في الإسلام، الحكومة في الإسلام، المرأة في الإسلام، من روائع الإسلام، منظومة في قواعد الخط الفارسي، مباحثاته العلمية مع البروفسور هنري كوربان، الميزان في تفسير القرآن.

سلسلة تكريميّة

حاول مركز الحضارة من خلال اصداره هذا الكتاب الضخم الاحاطة بكل ما يتعلق بالفيلسوف الطباطبائي من خلال استكتاب ابرز العلماء والفقهاء والمفكرين الإسلاميين في إيران والعالم، مما يجعل الافادة للمتابع والمهتم والطالب محيطا بصورة هذا العالم وفكره وفلسفته وإن كان ذلك صعبا على الكثيرين، لكنه جهد جبار قام به مركز الحضارة، على أن يكمل هذا الطريق بالنسبة للشخصيات الفكرية الإسلامية.

السيرة الفلسفيّة

ففي الفصل المعنون بـ"السيرة الفلسفية" للأستاذ العلامة الطباطبائي يتطرق الشيخ عبدالله جوادي آملي إلى أهم سمة من سمات الفيلسوف الطباطبائي، فيقول: "أهم سمة له هي "الاندماج الكامل بين الحكمة المبدأية النظرية، وتجسيد الفلسفة في السلوك الشخصي ونهج الحياة"، حيث لم يكن فيلسوف نظريًا فقط، بل كان يطبّق الفلسفة في الحياة اليومية ومواعظه وتلاميذه، وهذا ما جعله متميزًا في الجمع بين الأصالة في الفكر الإسلامي، وهو ما يظهر في منهجه الفلسفي الذي شارك في الإبداع العملاق معًا".

اعجابه بصدرالدين الشيرازي 

كان يرى فلسفة صدر الدين الشيرازي أقرب للواقع، وكان يقدّر خدمته لعالم العلم والفلسفة غاية التقدير، وكان معجباً جداً به وبمنهجه الفلسفي وبالإتيان بأسلوب جديد وحديث كأصالة الوجود وتشكيكه وإيجاد مسائل جديدة كقضية إمكان الأشرف واتحاد العاقل والمعقول والحركة الجوهرية والحدوث الزماني وقضية بسيط الحقيقة كل الأشياء ونظائرها.
وكان الطباطبائي يُشيد بصدرالدين الشيرازي كثيراً لأنه جمع بين الفلسفة الفكرية الذهنية والإشراق الباطني والشهود الباطني وطبّقهما على الشرع الأنور. وكان يعتقد أن صدر المتألهين الشيرازي قد أخرج الفلسفة من الضياع ونفخ فيها روحاً جديدة. وكان يمدح طريقته في تصفية السير والباطن والرياضيات الشرعيّة.

أما أهم ركائز منهجه الفلسفي

-الالتزام بالمنهج البرهاني في الأبحاث الفلسفية، وما تبقى من المسائل الفلسفية عن الاهتمامات والعرفانية البحتة.
-أساس المعرفة: القرآن هو المصدر الأساس لحلّ المشكلات.
-الجمع بين العلم والنظرية. 
-الفطرة كمفتاح.
-تجاوز الفكر المادي.
-التحليل هو الاسلوب.
-التكامل العقلي والتجرد الروحي.

خلاصة

جلّ ما يطمح إليه طالب الفلسفة في الجامعات العربيّة أن يكون تقريب المناهج الفلسفيّة لأذهان الطلاب والباحثين والمهتمين حتى يكون ثمة إقبال على المؤلفات والكتب والاتجاهات الفكرية لدى الفلاسفة الإسلاميين والعرب والمشرقيين وترجيح التيارات الفكرية العربية والمشرقية قبل الغربيّة وإن كان الفكر لا حدود له ولا شروط، لكن الهوية الفكرية أساس كل نهضة وتطور وتقدّم.