الخلافات حول قانون الانتخاب طبيعية لكن المعركة في مكان آخر.. «البحث بالإبرة» عن نائب شيعي وأكثرية تُماشي السلام الأميركي
كتب غاصب المختار في "اللواء":
ما يجري حول قانون الانتخابات النيابية من سجالات وخلافات واقتراح قوانين منذ فترة، وتفسيرات متناقضة للدستور وللنظام الداخلي لمجلس النواب، ليس أمراً جللاً مخيفاً، ولا خارجاً عن طبيعة التركيبة السياسية اللبنانية، ولا عن تناقضات وغموض بعض مواد دستور اتفاق الطائف، برغم ان وثيقة الوفاق الوطني حدّدت الثوابت حول كل الأمور ومنها ما يتعلق بقانون الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية وخلافه... لكن التطبيق الانتقائي للدستور ولوثيقة الوفاق أطاح بكل التفاهمات الممكن التوصل إليها في بلد متعدد الاتجاهات السياسية ومتنوّع طائفياً، بحيث باتت كل جهة سياسية - طائفية تفسّر الأمور غبّ الطلب على هوى مصالحها من دون الالتفات الى ان التوازن هو جوهر أي توافق وأي دستور.
وأتت مسألة إقتراع المغتربين لـ 128 نائباً في أماكن تواجدهم بدول الاغتراب ليزيد من حدّة التنافس، كونها تؤمّن لبعض الأطراف السياسية حاصلا انتخابياً إضافياً يزيد من حصتها النيابية لتوظّف هذه الإضافة في زيادة عدد نواب بعض الكتل النيابية في «المعارك» الكبرى والصغرى، سواء المتعلقة بإنتخاب رئيس المجلس النيابي أو رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومات أو توفير نصاب الجلسات العامة، أو تلك المتعلقة بالبتّ بالكثير من القوانين التي تناسب هذه الفئة ولا تناسب فئة أخرى. والغريب أن الخلافات والانقسامات الواسعة الحاصلة على أمور جوهرية كبرى، تتلاشى عند تفاهم الكتل المتخاصمة على تمرير مشروع أو اقتراح قانون معيّن أو على الإطاحة به، فيحصل التفاهم والوئام واللقاءات وتسجيل الانتصارات وكأن لا خلافاً مطلقاً بين القوى السياسية.
لكن زيادة عدد نواب هذه الكتلة أو تلك لا يعبّر بالضرورة عن التوازنات الحقيقية بين الأطراف السياسية والمكونات الطائفية، لأن تشكيل لوائح الانتخابات وبالتالي تشكيل الكتل النيابية خاضع لأمر أساسي غير ثابت هو التحالفات الانتخابية، فالتحالف الذي يتم في هذه الدورة الانتخابية بين هذه الجهة أو تلك وفي دائرة من الدوائر أو أكثر من دائرة، قد يختلف في الدورة التالية، فيخفّ أو يزيد عدد هذه الكتلة أو تلك. ذلك ان طبيعة تشكيل التحالفات تتعلق بتوزيع المقاعد على الطوائف وبمصلحة تحالف طرف مع آخر لزيادة الحاصل الانتخابي.. لكن سبق وحصل كثيراً أن انفرط عقد التحالف بمجرد انتهاء الانتخابات وتشكيل الكتل النيابية وعاد كل طير الى سربه أو غرّد منفرداً مستقلاً.
والظاهر من المعركة المحتدمة حول اقراع المغتربين، ان هناك هدفاً أساسياً لدى بعض القوى لا سيما المسيحية أو التي تصنّف نفسها «سيادية» أو حتى مستقلة، هو معركة الحصول مجدّدا على الأغلبية النيابية لانتخاب رئيس للمجلس النيابي عبر البحث ولو «بالإبرة» عن سبل إيصال نائب شيعي واحد ليتم انتخابه رئيسا لمجلس العام 2026 بدلاً من الرئيس نبيه بري وتمرير ما تراه مناسباً من قوانين لمصلحتها إذا تمكّنت من ذلك، ربطاً بما تراه هذه القوى فرصة مناسبة في هذا الظرف الإقليمي المتغيّر وفي ظل الدعم الغربي لها في معركة ما تسمّيه «حصرية السلاح وسيادة الدولة»، من دون أي اعتبار لتداعيات هذه التوجهات على الاستقرار العام وما يمكن أن تتركه محاولات إقصاء طائفة تمثل الأكثرية الشعبية الشيعية لا الانتخابية فقط، من تأثيرات سياسية وطائفية ومناطقية يمكن أن تؤدي لاحقاً الى توترات لا يمكن حصرها.
إذاً... تخوض بعض القوى السياسية معركة الانتخابات وإقتراع المغتربين بالتوازي مع معركة «حصرية السلاح وسيادة الدولة»، ليس لسبب وهدف داخليين تراهما أكثرية اللبنانيين ربما أمر مطلوب، بل لسبب وهدف خارجيين مطلوب تحقيقهما في لبنان في ظل التوجهات الأميركية التي تريد أن تفرض التسويات السلمية في المنطقة «ولو بالقوة» كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ذلك ان بعض القوى تتبنّى خيار «السلام الأميركي» كيفما كان وتحت أي ظرف، متناسين مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي ما زالت الدول العربية تتمسّك بها لإستعادة الحقوق العربية كاملة بما فيها حقوق لبنان.


