وسام على الصدر… ومرارة في القلب : أين الدولة من فنان بحجم أبو سليم؟

نوفمبر 13, 2025 - 14:13
نوفمبر 13, 2025 - 15:24
 0
وسام على الصدر… ومرارة في القلب : أين الدولة من فنان بحجم أبو سليم؟

 كتبت هناء بلال

بين وجوهٍ تمثّل الذاكرة الثقافية والإعلامية للبنان، وقف الفنان الكبير صلاح تيزاني " أبو سليم " مكرَّمًا من المجلس الوطني للإعلام برئاسة الأستاذ عبد الهادي محفوظ. لم يكن الحدث مجرد احتفال، بل لحظة اعتراف برجلٍ يحمل ذاكرة وطن بكامله… ذاكرة ذهبية ما زالت تحفظ التواريخ والتحوّلات كما لو أنها كُتبت بالأمس.

ذاكرة الاستقلال… من طرابلس إلى كل لبنان

استعاد أبو سليم خلال التكريم ذكريات أيام الاستقلال بتفاصيلها الدقيقة، متحدثًا عن التظاهرات التي شهدتها طرابلس، وعن الحماس الوطني الذي كان يجمع الأهالي حول فكرة الدولة الناشئة. قال بحنين واضح:

"يُقال اليوم إن الاستقلال جاء بسهولة… الحقيقة أننا واجهنا ملاحقات وتعبًا ونضالات. أهل طرابلس وقفوا معنا، واستمرت الثورات حتى تحقّق استقلال لبنان."

كانت كلماته استعادة لتاريخ حيّ لا يزال محفورًا في ذاكرته وفي ذاكرة جيلٍ شهد ولادة الدولة.

تكريم ولقاء يحملان رمزية وطنية

وتوقف أبو سليم عند لحظة منحه وسام  الاستحقاق اللبناني الفضي ذي السعف،  الذي قلده رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس مستعيدًا لقاءه بالرئيس الذي قال له:

"كنت أشاهد أبو سليم وأنا صغير على الشاشة… واليوم أراه أمامي."

جملة حملت رمزية كبيرة  فنانٌ يدخل الشاشة إلى كل بيت منذ عقود، ليقف اليوم أمام رئيس جمهورية تربّى على حضوره. شهادة تختصر رحلة فنانٍ تحوّل إلى جزء من الذاكرة اللبنانية.

عبد الهادي محفوظ: "أول من رافق فكرة الشمال وبناء الدولة"

في حديثنا مع الأستاذ عبد الهادي محفوظ، شدّد على أن أبو سليم ليس مجرد فنان عابر، بل أول من رافق فكرة الشمال وبناء الدولة الحديثة، وأن صوته كان جزءًا من تشكيل الوعي الوطني في طرابلس وفي لبنان عمومًا.

وأضاف محفوظ بأسف واضح:

"المشكلة أنّ الذين صنعوا اسم لبنان بفنّهم  مثل صباح، نصري شمس الدين، وديع الصافي، إلى نجيب حنكش رحلوا فقراء، ولم ينالوا الاهتمام الذي يستحقونه. نكرّمهم بعد وفاتهم بينما الأجدر هو ضمان عيشهم الكريم، والطبابة، والاستشفاء، وحماية الملكية الفكرية."

وتوقف عند الأرشيف الزاخر الذي يمتلكه أبو سليم، قائلاً:

"هذا إرث وطني… من يحميه؟ يجب أن يُصان كي يعود على صاحبه بالعائد المادي والمعنوي."

أبو سليم والنخب… رؤية تتجاوز الفن

أشار محفوظ إلى أن أبو سليم ليس جزءًا من الذاكرة الفنية فقط، بل من اللقاء التشاوري للنخب، كأحد المؤسسين المشاركين في طرحٍ يركّز على بناء الدولة، ترسيخ المواطنة، العدالة الاجتماعية، منع التناحر، دعم المرأة، والإصلاحين السياسي والقضائي.

هل هناك أمل بالعهد الجديد؟

وعن رؤيته للعهد الجديد، قال محفوظ بوضوح:

"الأمل هو ببناء الدولة، لا بالأشخاص. إنصاف اللبنانيين وخاصة الطبقة الوسطى هو الطريق الصحيح لعودة لبنان إلى الاتجاه السليم."

وشدّد على أن أي عهد لن ينجح ما لم يُعِد للدولة دورها الطبيعي، ويوفّر للناس الأمان الاجتماعي، ويعيد ثقتهم بوطنهم.

ومع كل ما حمله هذا التكريم من تقدير واعتراف بمسيرة ذهبية، يبقى من المؤسف أن يصل لبنان إلى مرحلة يصبح فيها فنان بحجم أبو سليم رجل صنع ذاكرة وطن كاملة في انتظار دعمٍ أو مساعدة كان يفترض أن تتكفّل به الدولة ومؤسساتها الراعية للثقافة والإنسان.
فمن غير المقبول أن تكون رموزنا الفنية التي منحت هذا البلد صورته الجميلة، معلّقة على مبادرات فردية أو مساندة ظرفية لتأمين أبسط حقوقها الصحية.

إن تكريم أبو سليم واجب، لكن الأوجب هو أن يترافق هذا التكريم مع حماية كريمة تليق بما قدّمه للبنان… فالدول التي تحترم نفسها تبدأ باحترام فنانيها الذين صنعوا وجدانها وهويتها، لتبقى الذاكرة محفوظة، ولتبقى القيمة أعلى من الظرف.