ما الذي يفعله نجاح المرأة بعقول الأخريات؟

تحقيق اجتماعي بقراءة علمية يفسّر لماذا يتحوّل نجاح المرأة المهني إلى مصدر غيرة لدى الأخريات، وكيف تشرح المقارنة الاجتماعية وعلم النفس التنظيمي هذه الظاهرة بعيدًا عن الأحكام المسبقة.

ديسمبر 26, 2025 - 13:36
 0
ما الذي يفعله نجاح المرأة بعقول الأخريات؟

 

تُعدّ الغيرة بين النساء من الظواهر الاجتماعية والنفسية الشائعة، لكنها غالبًا ما تُختزل في إطار عاطفي أو أخلاقي، بعيدًا عن التحليل العلمي. غير أن علم النفس والاجتماع ينظران إلى الغيرة بوصفها استجابة إنسانية طبيعية ناتجة عن تفاعل معقّد بين تقدير الذات، والمقارنة الاجتماعية، والضغوط الثقافية، وصور النجاح والجمال السائدة في المجتمع.

في هذا التحقيق، نحاول تفكيك سؤال: ما الذي يجعل المرأة تغار من امرأة أخرى؟ بعيدًا عن الأحكام المسبقة، وبالاستناد إلى مقاربات علمية ونفسية.

أولًا: المقارنة الاجتماعية… الجذر الأساسي للغيرة

تشير نظريات علم النفس الاجتماعي، لا سيما نظرية المقارنة الاجتماعية (Social Comparison Theory) التي وضعها ليون فيستنغر، إلى أن الإنسان يميل بطبيعته إلى مقارنة نفسه بالآخرين لتقييم ذاته.
في حالة النساء، تتضاعف هذه المقارنة بسبب معايير مجتمعية صارمة تتعلق بالجمال و القبول الاجتماعي و النجاح المهني 

عندما تشعر المرأة أن الأخرى تتفوّق عليها في أحد هذه المجالات، قد تنشأ الغيرة كردّ فعل تلقائي، خصوصًا إذا كانت تعاني من تراجع في الرضا عن الذات.

ثانيًا: صورة الجمال المثالي وضغط المعايير

تلعب وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تغذية الغيرة، عبر الترويج لنماذج مثالية يصعب تحقيقها.

قد تصبح موضوعًا للحسد، رغم أن الدراسات تشير إلى أن الإفراط في عرض الحياة الخاصة غالبًا ما يخفي هشاشة داخلية أو حاجة للاعتراف الاجتماعي، لا حياة مثالية كما تبدو.

 ثالثا: الغيرة المهنية… حين يصبح النجاح تهديدًا

النجاح الوظيفي للمرأة الأخرى قد يكون أحد أبرز محفزات الغيرة، لا سيما في البيئات التنافسية.
لكن علم النفس التنظيمي يميّز بين:

  • غيرة سلبية: تؤدي إلى الإحباط والعدائية.

  • غيرة إيجابية (تنافس صحي): تدفع إلى التطور، واكتساب المهارات، وبناء مسار مهني مستقل.

الفرق هنا لا يكمن في وجود الغيرة من عدمها، بل في كيفية إدارتها.

رابعا : وهم “المرأة الكاملة”

في المخيال الاجتماعي، توجد صورة للمرأة التي “تملك كل شيء”:
جمال، نجاح، علاقة مستقرة، حضور اجتماعي لافت.
غير أن علم النفس يؤكد أن الكمال مفهوم غير واقعي، وأن كل إنسان، مهما بدا متكاملًا، يحمل نقاط ضعف لا تظهر للعلن.

المفارقة أن المرأة التي تُحسد قد تكون بدورها تقارن نفسها بغيرها، وتعيش دائرة الغيرة ذاتها.

تُجمع الأدبيات النفسية والاجتماعية على أن نجاح المرأة في المجال المهني يشكّل محفّزًا مباشرًا لظهور الغيرة لدى أخريات، ليس بوصفه تهديدًا شخصيًا، بل كنتاج طبيعي لآلية المقارنة الاجتماعية داخل البيئات التنافسية. فوفقًا لعلم النفس التنظيمي، كلما كانت المرأة الناجحة حاضرة بوضوح في المشهد المهني، وتتمتع بالكفاءة والتقدير والاعتراف المؤسسي، ازدادت احتمالات أن تُستَخدم كنقطة مرجعية من قِبل نساء أخريات يقمن بتقييم مساراتهن المهنية على أساسها.

وتشير الدراسات إلى أن هذه الغيرة لا تعبّر بالضرورة عن عداء أو نوايا سلبية، بل عن فجوة مدركة بين الطموح الشخصي والواقع المهني. فالنجاح النسائي يكشف الإمكانات، لكنه في الوقت نفسه يسلّط الضوء على القيود، سواء كانت ذاتية أو بنيوية، ما يجعل الغيرة استجابة نفسية متوقعة في سياق غير متكافئ الفرص أو عالي التنافس.