هل ما زالت لمّة العائلة في العيد قادرة على تعديل سلوك أطفالنا؟

لمّة العائلة في العيد ليست مجرّد طقس اجتماعي، بل عامل أساسي في تعزيز الأمان النفسي والانتماء لدى الأطفال، وتشكيل سلوكهم الاجتماعي بعيدًا عن العزلة والشاشات.

ديسمبر 19, 2025 - 11:16
 0
هل ما زالت لمّة العائلة في العيد قادرة على تعديل سلوك أطفالنا؟
بوستر غداء العيد لوسيان بورجيلي

 

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتزداد فيه العزلة الفردية تحت ضغط العمل والشاشات، تعود لمّة العائلة في العيد كأحد أكثر الطقوس الاجتماعية تأثيرًا في تماسك المجتمع، وفي تشكيل سلوك الأطفال ونظرتهم للانتماء والهوية.

العيد، في جوهره، ليس مناسبة دينية أو إجازة فحسب، بل حدث اجتماعي جامع، تتلاقى فيه الأجيال داخل بيوت الأجداد، حيث الذاكرة، والقصص، والطقوس التي لا تُختزل في الصور ولا تُعوّض عبر الرسائل الرقمية.

بيت الجد… المدرسة الأولى للعلاقات

تمثّل بيوت الأجداد نقطة التقاء نادرة بين الماضي والحاضر. ففيها يتعلّم الطفل، دون تلقين مباشر، معاني صلة الرحم، الاحترام، المشاركة، والاحتواء. الجلوس حول طاولة واحدة، المشاركة في إعداد كعك العيد، أو تبادل الأحاديث البسيطة، كلها تفاصيل صغيرة تصنع أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا.

خبراء علم النفس والاجتماع يجمعون على أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة تحافظ على هذه اللمّة، يكونون أكثر قدرة على:بناء علاقات اجتماعية صحية التعبير عن مشاعرهم بثقة الشعور بالأمان والانتماء تقبّل الاختلاف بين الأجيال

فالجدّ والجدة لا يقدّمان الحب فقط، بل يقدّمان ذاكرة جمعية يشعر الطفل أنه جزء منها.

لمّة العيد… أكثر من فرح عابر

لا تقتصر فوائد لمّة العائلة على لحظات السعادة المؤقتة، بل تمتد آثارها إلى السلوك اليومي للأطفال والمراهقين. التواجد وسط العائلة يخفف من:الشعور بالوحدة والفراغ التوتر الناتج عن تغيّر الروتين  الانعزال الاجتماعي المرتبط بالإفراط في استخدام الشاشات  

كما أن تبادل القصص والخبرات بين الكبار والصغار يحفّز التفكير، ويغذّي الذاكرة، ويمنح الأطفال نماذج واقعية للتواصل الإنساني، بعيدًا عن العالم الافتراضي.

تحديات العصر… ولمّة مهددة

رغم أهميتها، تواجه لمّة العائلة اليوم تحديات حقيقية. كثير من الأبناء باتوا يفضّلون قضاء العيد مع الأصدقاء، أو النوم طوال النهار، أو الاكتفاء بالمعايدات الرقمية. هذا التحوّل، إن تُرك دون وعي، قد يحوّل أفراد الأسرة إلى غرباء داخل البيت الواحد.

لكن مواجهة هذا الواقع لا تكون بالتوبيخ أو الضغط، بل بالحوار الهادئ، وبجعل التجمع العائلي مساحة آمنة ومبهجة، خالية من المحاسبة والانتقاد، ومليئة بالضحك والمشاركة.

كيف نعيد للّمة معناها؟

إحياء لمّة العائلة لا يحتاج إلى تكلّف، بل إلى نية ووعي:

تخصيص وقت حقيقي للقاء العائلة في العيد   اشراك الاطفال في تفاصيل التحضير 

تجنّب الخلافات والنقاشات الحادة أمامهم التخفيف من حضور الهواتف و الاشاشت خلال الجمعة 

تبقى لمّة العائلة في العيد ليست مجرّد عادة اجتماعية، بل ركيزة تربوية ونفسية، تسهم في بناء أفراد أكثر توازنًا، ومجتمع أكثر تماسكًا. هي استثمار طويل الأمد في سلوك الأطفال، وفي ذاكرتهم العاطفية، وفي قدرتهم على الانتماء.

في عالم يتجه نحو الفردية، تبقى لمّة العيد فعل مقاومة جميل… يعيد للإنسان إنسانيته.