حين نعود… ولا تعود أرواحنا معنا: اكتئاب ما بعد السفر!!
يتناول هذا التحقيق ظاهرة اكتئاب ما بعد السفر بوصفها حالة شعورية شائعة تصيب كثيرين بعد انتهاء الإجازات والعودة إلى الروتين اليومي. يسلّط الضوء على أعراضها النفسية والجسدية، وأسبابها المرتبطة بالحنين للذكريات، والانتقال المفاجئ من الراحة إلى المسؤوليات، والضغوط الاجتماعية والمالية. كما يؤكد أن هذه الحالة مؤقتة وغير مُصنّفة كاضطراب نفسي، لكنها تستحق الفهم والاهتمام، بوصفها ردّ فعل إنساني طبيعي على تغيّر الإيقاع الحياتي بعد السفر.
يعود كثيرون من السفر وهم يحملون في حقائبهم صورًا وذكريات جميلة، لكن ما لا يُرى بالعين أحيانًا هو ذلك الشعور الخفي بالكآبة والضيق الذي يتسلّل بعد العودة. حالة يصفها البعض بالحزن الصامت، ويُطلق عليها اختصاصيون ودارسون اسم اكتئاب ما بعد السفر.
هذه الحالة لا تُعدّ اضطرابًا نفسيًا مُشخّصًا رسميًا، لكنها تجربة شعورية شائعة، يمرّ بها أشخاص من مختلف الأعمار والخلفيات، خصوصًا بعد إجازة طويلة أو رحلة مليئة بالمشاعر والتغييرات.
ماذا يحدث بعد أن تنتهي الرحلة؟
يُعرَّف اكتئاب ما بعد السفر بأنه شعور بالحزن أو الفراغ أو انخفاض المزاج، يبدأ مع العودة من السفر وقد يستمر أيامًا أو حتى أسبوعين. يشبه في بعض مظاهره القلق أو الاكتئاب، لكنه يكون مؤقتًا وأخفّ حدّة في الغالب.
المفارقة أن هذا الشعور لا يرتبط بتجربة سلبية، بل غالبًا بالعكس تمامًا؛ فهو يأتي بعد فترة جميلة، مليئة بالحرية، الراحة، أو اللقاءات الإنسانية الدافئة.
أعراض قد تمرّ بهدوء… لكنها حقيقية
لا يظهر اكتئاب ما بعد السفر بالشكل نفسه لدى الجميع، لكنه غالبًا يتجلّى في إرهاق جسدي ونفسي
غير مبرّر قلق خفيف دون سبب واضح فقدان الشغف بالعمل أو الأنشطة اليومية عصبية أو توتر غير معتاد حنين متكرر لفترة السفريرافقه شعور بعدم الراحة
هذه الأعراض عادةً مؤقتة، لكنها قد تكون مزعجة إذا ترافقت مع ضغوط الحياة اليومية.
لماذا نشعر بهذا الحزن بعد الإجازة؟
. الارتباط العاطفي بالذكريات
السفر يخلق لحظات استثنائية: ضحك، مغامرات، علاقات أقرب، وتحرّر من الروتين. العودة تعني ترك كل ذلك خلفنا، وهو ما يترك فراغًا عاطفيًا مؤقتًا.
. الانتقال المفاجئ إلى الروتين
الفرق بين أيام بلا منبّه صباحي، ومسؤوليات العمل والالتزامات اليومية، قد يكون صادمًا نفسيًا.
. العودة دون فترة تدرّج
كثيرون يعودون من السفر مباشرة إلى العمل، دون منح أنفسهم وقتًا للتأقلم أو الراحة، ما يضاعف الشعور بالإجهاد.
. تغيّر العلاقات الاجتماعية
السفر غالبًا يعزّز التواصل مع العائلة أو الأصدقاء، بينما تقلّ هذه اللقاءات مع العودة إلى وتيرة الحياة السريعة.
. القلق المالي
ما يُنفق خلال السفر قد يتحوّل إلى مصدر قلق بعد العودة، خصوصًا مع التزامات مالية متراكمة.
. اختلاف الطقس والمكان
العودة من مناخ جميل أو بيئة مريحة إلى طقس مختلف أو مدينة مزدحمة قد يؤثّر نفسيًا دون أن ننتبه.
متى نقلق؟
في معظم الحالات، يزول اكتئاب ما بعد السفر تلقائيًا خلال أيام أو أسبوعين. لكن إن استمرت الأعراض لفترة أطول، أو أثّرت بشكل واضح على القدرة على العمل والحياة اليومية، فقد يكون من المفيد طلب استشارة مختص نفسي.
اكتئاب ما بعد السفر ليس ضعفًا، ولا يدلّ على عدم الامتنان للتجربة، بل هو ردّ فعل إنساني طبيعي على الانتقال المفاجئ من حالة شعورية جميلة إلى واقع مختلف. الاعتراف به، وفهم أسبابه، يمنحنا القدرة على تجاوزه بلطف… تمامًا كما نمنح أنفسنا حق الاستمتاع بالسفر.
فالرحلة قد تنتهي، لكن العناية بالنفس لا يجب أن تتوقّف عند بوابة العودة...


