لبنان 2026: اقتصاد على حافة الانهيار أم بداية مسار التعافي؟

ديسمبر 15, 2025 - 12:21
ديسمبر 15, 2025 - 12:33
 0
لبنان 2026: اقتصاد على حافة الانهيار أم بداية مسار التعافي؟

 كتب زياد ناصر الدين في "الميادين":

 تُعدّ الأزمة الاقتصادية في لبنان من أعقد الأزمات المالية والنقدية التي شهدها العالم منذ منتصف القرن، وهي أزمة مركّبة ناتجة عن تراكمات طويلة من السياسات الاقتصادية الخاطئة، والفساد المؤسساتي، وسوء الحوكمة المالية، والدور الخارجي في دعم النخب السياسية، وتشريع الفساد على حساب القانون في دولة الطوائف.

بدأت مظاهر الانهيار عام 2019 حين فقدت الليرة أكثر من 95% من قيمتها، وتوقفت المصارف عن إعطاء المودعين أموالهم، في ظل عجز الدولة عن سداد ديونها الخارجية عام 2020، وتخبّط سياسي داخلي غير مسبوق سمح باستغلال الأزمة إلى أقصى الحدود، داخلياً وخارجياً.

استحكام الأزمة في مختلف المفاصل
ومع تفاقم الأزمة عاماً بعد عام، امتدت تداعياتها لتشلّ مختلف القطاعات في الدولة، فقد تحوّلت الأزمة من مشكلة مالية معزولة إلى انهيار شامل مسّ كل مفاصل الاقتصاد والمجتمع.

1- القطاع المالي: انهيار سعر الصرف، احتجاز الودائع، وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي.

2- المالية العامة: عجز في الموازنة، تآكل الإيرادات، وتوقف الدولة عن دفع التزاماتها.

3- الوضع الاجتماعي والمعيشي: ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وانهيار منظومة التقديمات الاجتماعية.

الأزمة في لبنان ليست أزمة أرقام فقط، بل أزمة ثقة ودور وحوكمة وقوانين، وتتطلب إعادة هيكلة متكاملة للنموذج الاقتصادي والسياسي من أجل استعادة الاستقرار والنهوض.

تحديات 2026
وفي خضم هذا الواقع المعقد، يقف الاقتصاد اللبناني أمام مجموعة تحديات محورية ستحدد مسار التعافي أو مزيداً من الانحدار في عام 2026، وأبرزها.

1- إقرار موازنة 2026

يُعدّ إقرار الموازنة خطوة أساسية لبناء إطار مالي يضبط الإيرادات والنفقات ويؤمّن الخدمات ويحدّ من العجز. كما قد يسهم في الحصول على تمويل خارجي وقروض محتملة. والهدف الأساسي هو تحسين جباية الجمارك والضريبة على القيمة المضافة (TVA).

لكن من دون إصلاحات هيكلية، وزيادة النفقات الاستثمارية، وتحسين البنى التحتية، وتحقيق العدالة الضريبية، ودعم القطاعات الإنتاجية، ستبقى الموازنة خطوة ظرفية لا تؤسس لنهضة اقتصادية مستدامة، خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

2- إقرار قانون الفجوة المالية

تكمن خطورة القانون في منح 100 ألف دولار لكل مودع، وتحميل المسؤولية للدولة ومصرف لبنان، وإعفاء المصارف من تبعات الأزمة.

هذا التوجّه لن يعيد الثقة بالقطاع المصرفي، إذ إن إعادة الثقة تحتاج إلى معالجة تقنية لا سياسية، خصوصاً أن الوقائع التاريخية تُظهر أن الدول لا تفلس، بينما المصارف تفلس وتُحاسب بالقانون.

3- ملف إعادة الإعمار

يمثل إعادة الإعمار ركيزة أساسية لاستعادة الثقة بالاقتصاد، وإعادة دور لبنان في المنطقة، وتحقيق النمو وخلق فرص عمل حقيقية.

4- إصلاح الرواتب في القطاع العام

استعادة الثقة بالدولة تمرّ عبر تحريك الدورة الاقتصادية من خلال تحسين القدرة الشرائية، وضمان الاستقرار المهني والاجتماعي للموظفين، وتحقيق العدالة الاجتماعية. إصلاح الرواتب ضرورة وطنية لا يمكن تأجيلها.

5- إعادة إعمار مرفأ بيروت

يمثّل المرفأ أحد أعمدة النهوض الاقتصادي. تحتاج إعادة تأهيله إلى رؤية وطنية شفافة بعيدة عن الصراعات السياسية، بما يضمن عودة دوره الحيوي للاقتصاد الوطني.

6- الحفاظ على استقرار الليرة

أحد أكبر التحديات هو الاستقرار النقدي، في ظل التجاذبات السياسية وعدم وضوح رؤية مصرف لبنان لمعالجة أزمة الودائع. حتى اليوم يعتمد الاستقرار النقدي على الامتناع عن طباعة الليرة فقط، من دون وجود خطة نقدية واضحة.

7- حماية الذهب من الفساد والتدخلات الخارجية

تبلغ قيمة الذهب اللبناني أكثر من 40 مليار دولار، وقد ترتفع أكثر بحلول 2026، ما يجعل حمايته ضرورة قصوى، خصوصاً مع ربط بعض الجهات الدولية أي قروض أو مساعدات بضمانات تتعلق بالمعدن الأصفر.

إن استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولا سيما الجنوب، يشكّل ضربة قاسية للاقتصاد الوطني، ويعمّق الانكماش ويضعف فرص التعافي. ويؤكد أن لبنان بحاجة ماسة إلى حماية اقتصاده من الصدمات العدوانية التي تستهدف ما تبقى من مقوّماته، ومحاولة السيطرة على ثرواته من النفط والغاز.