هذا ما تريده فرنسا من اجتماع باريس... فهل تنجح؟
تحضيرات لزيارة قائد الجيش اللبناني إلى باريس للمشاركة في اجتماع دولي يضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، لبحث دعم الجيش اللبناني، حصر السلاح جنوب الليطاني، مستقبل المساعدات العسكرية، والدور الفرنسي في تعزيز الاستقرار والأمن في لبنان.
كتب ميشال نصر في "الديار":
تنكب قيادة الجيش هذه الايام، على التحضير لزيارة العماد رودولف هيكل الى باريس، للمشاركة في اجتماع يضم كلا من الموفدين: الاميركي مورغان اورتاغوس، الفرنسي جان ابف لودريان، السعودي الامير يزيد بن فرحان في ١٨ الجاري، في اطار تعزيز التنسيق بين لبنان والدول الداعمة، خصوصا فرنسا، في مجالات الأمن والدفاع، بما يضمن تعزيز دور الجيش اللبناني كمؤسسة وطنية مستقلة وفعالة، حيث سيعرض للخطوات التي انجزها الجيش على صعيد "حصر السلاح"، اضافة الى المساعدات التي يحتاجها لاستكمال مهامه.
فالاجتماع الذي يعكس رغبة "الام الحنون" في تثبيت حضورها الاستراتيجي في لبنان، يأتي ضمن إطار بحث سبل دعم الجيش اللبناني، كما يشكل منصة لتبادل وجهات النظر حول الإصلاحات الأمنية والإدارية الضرورية لضمان استدامة الدعم الدولي، وللتأكيد على قدرة الجيش اللبناني على فرض الأمن، والحفاظ على الاستقرار الداخلي في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والتهديدات الإقليمية، ما يجعل الاجتماع محطة مهمة لتقييم الأداء اللبناني، واستشراف مسار التعاون الدولي في المرحلة المقبلة.
مصادر مواكبة للتحضيرات، أشارت إلى أن فرنسا تسعى من خلال اللقاء إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المتداخلة، التي تعكس اهتمامها بالملف اللبناني العسكري والسياسي، وربطه بالمستوى الإقليمي والدولي، متوقفة في هذا الاطار عند ثلاثة أهداف أساسية:
- الهدف الأول والأكثر وضوحا: توطيد التعاون بين الجيشين اللبناني والفرنسي، خاصة في جنوب لبنان، في إطار خطة فرنسا لضمان استمرارية وجودها العسكري في الجنوب، بعد انتهاء مهام قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) بنهاية عام 2026.
ومن هذا المنطلق، يتم طرح فكرة إنشاء لجنة أميركية - فرنسية – دولية، لمراقبة مدى التزام لبنان بمهمة "حصر السلاح" جنوب الليطاني، في خطوة تهدف إلى تعزيز مصداقية الجيش اللبناني، كمؤسسة وطنية مستقلة قادرة على ضبط الأمن في الجنوب، كما تعمل فرنسا من خلالها على الدفع باتجاه فك الحصار الجزئي المفروض على المساعدات للبنان، وهو ما يمكّن باريس من إظهار نفسها كوسيط فاعل ومسؤول أمام المجتمع الدولي، ويزيد من نفوذها في القرار اللبناني.
- الهدف الثاني: يتمثل في سعي باريس المتواصل لتأمين انعقاد مؤتمر دعم الجيش اللبناني، وهو مؤتمر طال انتظاره بسبب معوقات أميركية لا تزال تحول دون تنفيذه. في هذا السياق، يبدو أن فرنسا تحاول إعادة إحياء منحة الثلاثة مليارات دولار المقدمة من المملكة العربية السعودية لتسليح الجيش اللبناني في عهد الرئيس ميشال سليمان، جزئيا.
فالطموح الفرنسي يتركز على تأمين التمويل اللازم من الرياض، بما يمكن باريس من توفير حزمة مساعدات عسكرية، من ضمن توجهها لبناء جيش وطني قوي، قادر على فرض الأمن الداخلي وحماية الحدود اللبنانية، وفي الوقت نفسه، تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للبنان أمام الضغوط الإقليمية.
- الهدف الثالث: يتعلق بوضع الجيش اللبناني في قلب استراتيجية حماية البنية الاقتصادية الوطنية، وفق رؤية فرنسية مستجدة، حيث يمكن أن يلعب الجيش دورا محوريا في حماية المرافق الحيوية، من الموانئ والمطارات إلى البنى التحتية الأساسية، وكذلك المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار وحماية الاستثمارات الدولية.
هذا التوجه يعكس استراتيجية فرنسية متدرجة، لربط الدعم العسكري والمؤسساتي بالشفافية والإصلاحات المحددة، لضمان ألا تسقط أي مساعدة دولية في فراغ سياسي أو إداري، كما أنه يعكس فهما فرنسيا دقيقا لأهمية الجيش ليس فقط كقوة قتالية، بل كمؤسسة مركزية في استقرار الدولة وإعادة الثقة للمستثمرين الدوليين.
من الناحية الاستراتيجية، يمكن القول إن باريس تحاول عبر هذه الأهداف الثلاثة، أن تعزز دورها كضامن للاستقرار اللبناني، وتضمن أن الجيش اللبناني يظل المؤسسة الوحيدة القادرة على ضبط الأمن، وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار في ظل الانقسامات السياسية الداخلية، كما أن هذه التحركات الفرنسية تسعى إلى تقديم رسالة، بأن المجتمع الدولي يراقب بدقة قدرة الدولة على إدارة مؤسساتها.


