ماذا يخفي توم براك خلف سلسلة تصريحاته الأخيرة؟

تحليل معمّق لتصريحات الموفد الأميركي توم براك ومؤشرات التحوّل في المقاربة الأميركية تجاه حزب الله ولبنان وسوريا. المقال يسلّط الضوء على الضغط الناعم الأميركي، وتوقيت الرسائل، والتغييرات الإقليمية المحتملة بعد حرب غزة، إضافةً إلى دور الإدارة الأميركية ومسار التفاهمات المقبلة.

ديسمبر 11, 2025 - 08:35
 0
ماذا يخفي توم براك خلف سلسلة تصريحاته الأخيرة؟

 كتب ميشال نصر في "الديار":

ليست التصريحات التي أطلقها الموفد الأميركي توم براك في الأيام الأخيرة ،مجرد مواقف إعلامية عابرة، ولا يمكن التعامل معها كجزء من الضجيج السياسي، الذي يرافق عادة الحراك الديبلوماسي في المنطقة. فمنذ إطلالته الأولى، بدا واضحا أن الرجل يتحدث من موقع يتجاوز حدود الموفد التقليدي، وأنّ رسائله تحمل ما هو أعمق من توصيف أو تحليل، وتخفي خلفها مقاربة أميركية جديدة يجري اختبارها بهدوء تجاه حزب الله وبيئته ودوره في لبنان وسوريا.

فبراك لم يعتمد الخطاب الأميركي التقليدي، الذي اعتاد اللبنانيون سماعه كلما ذُكر اسم الحزب. لم يهاجم ولم يلوح بالعقوبات ولم يستخدم لغة التحذير المكشوف، بل لجأ إلى خطاب ناعم، محمل بإيحاءات "حضارية" و"جيوسياسية" تربط لبنان وسوريا في إطار واحد، وتضع الدور العسكري والسياسي لحزب الله ضمن سياق إعادة تنظيم المشهد في المنطقة بأكمله، على ما تشير اوساط لبنانية على تواصل مع الادارة الاميركية، معتبرة ان هذه اللغة الجديدة ليست عفوية، بل تحمل في طياتها مقاصد واضحة: جس نبض الحزب وبيئته، وتهيئة الرأي العام اللبناني لمرحلة مختلفة، قد لا تكون صدامية، لكنها لن تكون مريحة بالنسبة إلى الحزب أيضا.

وتشير الاوساط الى ان توقيت هذه التصريحات يكشف الكثير، في عالم يشهد عملية إعادة توزيع نفوذ على إيقاع تفاهمات دولية لم تتبلور بالكامل بعد، اختارت فيه واشنطن السفير براك، المقرب من الرئيس ترامب، لإرسال إشارات غير مباشرة، من دون أن تتحول هذه الإشارات إلى مواقف رسمية تلزمها أو تحرج حلفاءها، أقله راهنا.

في هذا السياق، بدا براك كأنه يختبر حدود المناورة لدى حزب الله، فهو تحدث عن مستقبل الجنوب، وعن ضرورة ضبط الحدود، وعن صياغة ترتيبات جديدة قد يكون الحزب "جزءا منها، أو قد تُفرض عليه"، ما فرض على الاوساط طرح أسئلة أساسية: هل الحزب مستعد لقبول إعادة تعريف لقواعد الاشتباك؟ وهل يمكن أن يدخل في إطار تفاهمات أوسع تشمل سوريا ولبنان ضمن سقف أميركي؟ الاوساط تغمز بذلك من قناة النقاش الدائر في مراكز صنع القرار الاميركي.

لكن ما هو لافت أكثر، على ما تقول الاوساط، أن كلام براك يندرج في اطار الضغط الناعم، فهو لا يريد مواجهة مفتوحة مع الحزب، بل يسعى إلى تطويق دوره تدريجيا، عبر خلق بيئة سياسية لبنانية تتقبل فكرة أنّ دور الحزب لا يمكن أن يبقى على حاله، وأنّ المرحلة المقبلة ستفرض عليه "تغييرات طوعية أو قسرية"، لكن من دون إثارة حساسية جمهور المقاومة أو دفعه إلى التصلب.

في موازاة ذلك، تكشف الاوساط ان كلام براك حمل بعدا إقليميا واضحا، بربطه مستقبل الوضع في لبنان بما يحدث في سوريا، واضعا حزب الله ضمن هذه المعادلة، بما يوحي بأن واشنطن تحضر لإطار تسوية مزدوجة يشمل الجبهتين معا، احد اعمدته إدخال الحزب في مفاوضات غير مباشرة حول دوره الإقليمي، أو حتى دفعه للقبول بترتيبات أمنية - اقتصادية تعد واشنطن جزءا منها.

وتضيف الاوساط بان تصريحات براك تشير الى ان مرحلة ما بعد حرب غزة، ستفتح الباب أمام تغييرات كبرى في التوازنات الإقليمية، وأن حزب الله سيكون جزءا من هذه التغييرات، سواء عبر الضغط، أو عبر التفاهمات، أو عبر صياغة وقائع جديدة على الأرض. فالأميركيون يدركون أنّ أي تسوية جنوبية أو سورية، لن تكون قابلة للحياة إذا بقي الحزب خارجها، أو إذا تم تجاهل دوره العسكري والسياسي.

في المحصلة، لا تبدو تصريحات توم براك مجرد قراءة في المشهد الاقليمي، بل محاولة مدروسة لتهيئة الساحة اللبنانية، وربما الإقليمية، لفهم أن دور حزب الله قد تعدل، وأن الولايات المتحدة اختارت طريق "الضغط الهادئ" بدل المواجهة المباشرة. من هنا، فإن السؤال الحقيقي لم يعد: ماذا قال براك؟ بل ماذا تُحضر واشنطن عبر براك؟ وكيف سيتعامل الحزب مع تلك الاشارات؟ والاهم اين السفير ميشال عيسى مما تقدم، في ظل نفيه علمه باي "تغييرات"؟ والاهم من كل ذلك، هل بدأ الانقسام في الرأي الاميركي يظهر الى العلن؟