حين يصبح الصدق هو الترند: محمد قيس نموذجًا
كتبت هناءبلال
في زمنٍ يبحث فيه البعض عن “السكوب” ويتسابقون لصناعة الترند، يبرز محمد قيس كمحاورٍ مختلف، في بودكاست "عندي سؤال " يحمل مشروعًا إعلاميًا قائمًا على الإنسانية قبل الشهرة، وعلى الإصغاء قبل الاستعراض. لا يبحث عن الصدمة، ولا يقتنص لحظة ضعف ليصنع منها عنوانًا نارياً، بل يصنع لحظة صدق تُحس ولا تُختلق.
لا يستدرج ضيفه إلى الزوايا المظلمة، ولا ينصّب نفسه قاضيًا أو محققًا، بل يجلس في مواجهة ضيفه بروح الرفيق الذي يصغي، وبحضور المحترف الذي يعرف كيف يقود الحديث دون أن يسرقه. وهذا ما جعل ضيوفه يشعرون بأنهم أمام شخص يتفهمهم، لا أمام كاميرا تبحث عن لحظة انهيار.
يتميّز محمد قيس بقدرته على طرح الأسئلة الحساسة بصياغة لطيفة لا تخترق الخصوصية، بل تفتح أبوابها. يعرف متى يطرح السؤال ومتى يكتفي بالصمت، وهذا أحد أسرار قوته؛ فالصمت أحيانًا يكشف ما لا تكشفه الكلمات.
شهدنا عبر حلقاته كيف تحدّث الضيوف عن الفقد، عن أوجاع خساراتهم، عن العلاقات المتصدعة، وعن الذكريات التي ما زالت تلسع القلوب. وبرغم صعوبة هذه المواضيع، نجح قيس في ملامسة دواخلهم ، فتنساب اعترافاتهم كأنها تخرج لأول مرة من عمق الروح، بلا تكلّف وبلا شعور بالضغط.
وفي كل مرة، استطاع محمد قيس أن يقترب من تلك الخوابي بحرفية رفيعة، فيلامس مشاعرهم دون أن يجرح، ويكشف الحقيقة دون أن يستغلها.
لذلك، تصبح حلقاته ترندًا لأنها صادقة… لأن الناس يجدون فيها وجوههم وتجاربهم، لا ضجيجًا ولا فضائح.
محمد قيس أثبت أن الإعلام يمكن أن يكون راقيًا، وأن الحوار حين يُدار بمهنية وعمق، يصل إلى القلب قبل أن يصل إلى الشاشات.


