محنة الحوار بين التخوين والتكفير

خبر من Goodpresslb

نوفمبر 2, 2025 - 22:34
 0
كتب الشيخ حسين أحمد شحادة نزل القران الكريم بلسان عربي وحرك عقول الناس جميعاً إلى واحدة من سنن الاجتماع البشري فلا تنهض أمة إلا بنظم أمرها ولا تفشل أخرى إلا إذا انشق أمرها وتنازعت بصريح قوله سبحانه - ولا تنازعوا فتفشلوا - والآية بمضمونها تلفت إلى أثر التجانس في عمران الحياة الطيبة بقيم التعاون والتكافل وهي مرهونة بالتزام الحوار وسيلة لا لتعبير الفرد عن ذاته فحسب بل لإزالة التعارض الذي ينشأ عادة بين الأفكار والإرادات .. ومن شقاء الإنسان أن يجري التنازع بين النخب الدينية والثقافية والسياسية حول طريقة عيشه في دنياه وأخطر من ذلك هو التنازع بين النخب نفسها حول طريقة عيشه في دينه وأن يجد نفسه أسيراً أو قتيلاً أو مطروداً باسم الدين بتهمة تكفيره . وليست مسألة التنازع في الدين هنا مسألة تعصب لهذه الطائفة أو تلك , بل هي قبل ذلك وبعد ذلك منهاج للاستبداد والتكفير الذي تجاوز حدود الدين ليصبح مذهباً سياسياً فمن تكفير الحكام والأحزاب والمذاهب الفقهية إلى تكفير كل مخالف لهم في الدين والرأي ظهرت على المسرح الإسلامي المعاصر سجالات الحديث حول من هو الممثل الشرعي للإسلام من جهة وحول كيفية تطهيره من ظواهر البدع والانحراف , من جهة ثانية وذلك تحت شعارات شبيهة بما طرح في القرن الماضي من عناوين التغيير الراديكالي لإصلاح المشهد السياسي العربي . ولعل ما يجمع الراديكاليات الدينية بمثيلاتها العلمانية المسلحة هو التطرف والمغالاة في تقديس النصوص الحرفية وتقديمها على العقل في مواجهة خصومها واعتبارها متعالية على الاختلاف والاجتهاد .. ومن هنا نشأت محنة الحوار الديني - الديني - والعلماني – الديني . فإذا كانت السلفية التكفيرية قد ربطت مسؤولية الهزيمة والسقوط والانحراف عن الإسلام الدين بأهل البدع من مذاهب أهل الرأي عند المسلمين , فإن بعض تيارات التخوين في العلمانية العربية ربطت مسؤولية التخلف والانحطاط الذي منيت به أحوال الأمة بجهالات التدين وخطيئات الحركات الإسلامية ما ظهر منها وما بطن . وعلى إيقاع هذه الصراعات العقدية والثقافية طفحت المكتبة الدينية والسياسية بآلاف الكتب والمجلدات المتخصصة بتكفير الآخر أو تخوينه داخل البيت العربي والإسلامي الواحد لتبلغ الصدامات أوج فتنتها الدموية في مطلع القرن الحالي وحتى اللحظة الراهنة .. وفي فلاة هذا الواقع المرير أصبحت إشكالية الحوار الأولى والشغل الشاغل للمتحاورين هي قضية الحرية في المعتقد الديني وحق الاختلاف السياسي وسوى ذلك من هموم حاجة الأمة إلى وفاق يعالج شؤون العلاقة بين مختلف التيارات السياسية والدينية , إلا أن هذا الاتجاه المحوري تراجع كثيراً مع صعود حركات التطرف الديني وارتباطها مع مصالح الدول الكبرى التي قامت سراً وجهاراً بتمويلها وتسليحها وتخليق البيئة الحاضنة لها على مستوى الأنظمة والحكومات , وعلى نطاق اجتماعي واسع مفتون بمنابر التكفير والتكفير المضاد . ومع غياب المظلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمشاريع الحوار ومؤسساته تكاثرت الجماعات التكفيرية بصورة أكثر تشدداً من تلك التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي ليصبح الحوار عند بعضها من المحرمات والممنوعات الملتبسة تحت عنوان : على أي أساس نتعايش؟ للرد على رسالة المثقفين الأمريكان بعد أحداث 11 أيلول : من أجل ماذا نحارب ؟ ويمكن ملاحظة محنة الحوار داخل الجماعة الواحدة من المنظمات الدينية والسياسية بذلك النزوع العدائي الذي كان يقابل بعضه بعضاً بأيديولوجيات ونظريات لا تسمح بمناقشة المسائل المتعلقة بفقه الإدارة والاجتماع لأن الفقه السياسي عندها يقوم على استنساخ الرؤية التاريخية واختزالها بمنهاج بعض الفقهاء في تطبيق حكم الله في الأرض .. وعلى أساس هذه المباني تم إنتاج الفقه المعاصر الذي لا يرى حلولاً لمشكلات العصر إلا باستحضار الأحكام الجاهزة عند هذا الفقيه أو ذاك من دون أي مراجعة لأرثه الاجتهادي ومن دون أي التفات إلى مقاصد الشريعة ومعاييرها الموضوعية , وبذلك تم إغلاق نوافذ الحوار كنتيجة لإغلاق أبواب الاجتهاد بفقه الشريعة بعامة والفقه السياسي والإداري بخاصة . وما من شك في أن الذي رفع لافتات التكفير وصنف المذاهب الفقهية المخالفة لمذهبه في خانة الفرق الهالكة والضالة لن ينظر إلى الحوار الديني بوجه عام والإسلامي - الإسلامي بوجه خاص إلا بوصفه مراوغة ونفاقاً وغشاً يتنافى مع قضية الدعوة إلى تطهير الإسلام من الأغيار والملل التي لا تشاطره الإيمان بصوره فهمه للإسلام عقيدة وشريعة .. وانطلاقاً من هذه النظرة السلبية تجاه الحوار سيجري تقسيم العمل السياسي إلى سياسة شرعية وأخرى معادية للشرع الحنيف فكل سياسة تعمل على تطبيق ما أنزل الله سبحانه وفق تفسيره الخاص هي سياسة شرعية وسواها كفر وخداع بتبسيط يلغي الجوانب المعيارية فيما أنزل الله سبحانه من قيم العدل والحرية والكرامة وحقوق الإنسان ولعل أسوء ما في هذا الخطاب المتناقض مع ثوابت الفقه الأخلاقي والإنساني نفسه هو التفسير الحزبي والطائفي لمفهوم حكم الله في الأرض المشروط في أن يعمل به تحت هذه الراية أو تلك من ألوية الحركات التكفيرية وجهادها الذي يرفع اليوم شعار تصفية الإسلام مما دخل فيه أي تصفية الإسلام من جميع المسلمين ممن لا يدين بأفكارهم وعقائدهم ... وتلك هي الكارثة .