حاتم علي: مخرج الذاكرة العربية
بعد خمس سنوات على رحيله، لا يزال المخرج السوري حاتم علي حاضرًا في الوجدان العربي عبر أعمال درامية تجاوزت حدود الترفيه، لتصبح ذاكرة جماعية وموقفًا إنسانيًا. من الدراما الاجتماعية القريبة من الناس كما في الفصول الأربعة، إلى الملاحم التاريخية والإنسانية مثل التغريبة الفلسطينية والملك فاروق وعمر، قدّم حاتم علي رؤية إخراجية صادقة احترمت عقل المشاهد ووجدانه، وجعلت الإنسان محور الحكاية. إرثه الفني باقٍ بوصفه معيارًا للصدق والجودة في الدراما العربية، ودليلًا على أن الفن يمكن أن يكون ضميرًا حيًا لا يرحل.
كانت رفيقة أيّامنا، أبطالها يشبهوننا بتفاصيل حياتنا اليومية، نراهم فنرى أنفسنا. كل عائلة فيها كانت تمثّل عائلة حقيقية، كما في «الفصول الأربعة»؛ عملٌ التقط بدقّة التفاصيل الصغيرة للعلاقات العائلية، وصراعات الأجيال، والتحوّلات الاجتماعية، بلغة بصرية هادئة وصادقة، لا تُدين ولا تُجامل. كان حاتم علي يؤمن بأن قوة الدراما تكمن في صدقها، وفي احترامها لعقل المشاهد ووجدانه قبل أي شيء آخر.
بعد خمس سنوات على رحيله، لا يزال المخرج السوري حاتم علي حاضرًا بقوة في الذاكرة العربية، لا كاسمٍ محفور في أرشيف الدراما فحسب، بل كحالة فنية وإنسانية متكاملة يصعب تجاوزها أو تكرارها. كان حضوره يتجاوز الشاشة، لأن أعماله لم تُصنع للاستهلاك السريع، بل لتبقى، وتُشاهَد، وتُعاد قراءتها مع كل زمن جديد.
تميّز حاتم علي بقدرة نادرة على الجمع بين الفن والتاريخ والإنسان. كان يرى الدراما فعلَ معرفة قبل أن تكون ترفيهًا، ولم يتعامل مع التاريخ بوصفه وقائع جامدة، بل قرأه كحكايات بشرية نابضة، مليئة بالتناقضات والأسئلة والآلام. لذلك جاءت أعماله التاريخية والملحمية، مثل التغريبة الفلسطينية وأعمال مشحونة بالبعد الإنساني، بعيدة عن الخطابة، وقريبة من الروح.
وفي الدراما الاجتماعية، قدّم صورة حميمة للمجتمع العربي، ولا سيما السوري، حيث الإنسان هو المركز، والتفاصيل اليومية هي البطل الحقيقي. أعماله في هذا المجال لم ترفع صوتها، لكنها وصلت بعمق، لأنها قالت ما يشبه الناس، وما يشبه حياتهم.
تميّزت رؤيته الإخراجية بحساسية عالية تجاه الممثل والنص والمكان. لم يكن مخرجًا استعراضيًا، بل صانع مشهد متكامل، يعرف متى يترك للصمت أن يتكلم، ومتى يمنح الكاميرا مساحة للتأمل. لذلك خرج من تحت يديه ممثلون في أجمل حالاتهم، وقدّم أداءات تحوّلت إلى علامات فارقة في مسيرتهم الفنية.
ولم يكن حاتم علي محايدًا تجاه القضايا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تعامل معها باعتبارها قضية إنسانية وعربية جامعة، لا تخص شعبًا واحدًا فقط. آمن بأن الفن قادر على حفظ الذاكرة، ومقاومة النسيان، ومواجهة التزييف، وهو إيمان تجسّد بوضوح في أعماله ومواقفه.
برحيله، خسرت الدراما العربية مخرجًا استثنائيًا، وخسر المشاهد العربي صوتًا بصريًا صادقًا كان يعرف كيف يحكي الحكاية دون ضجيج. لكن إرثه بقي حاضرًا، لا بوصفه حنينًا إلى الماضي، بل كمعيار فني وأخلاقي يُقاس عليه.
حاتم علي لم يرحل فعلًا…
هو باقٍ في كل مشهد صادق،
وفي كل عمل يؤمن بأن الدراما يمكن أن تكون ذاكرة، وموقفًا، وضميرًا حيًا.


