لماذا نفشل في قراراتنا… رغم أننا نبدأها بكلّ حماسة مع بداية العام ؟

يستعرض هذا التحقيق أسباب فشل معظم الناس في الالتزام بقراراتهم، خصوصًا مع بداية كل عام جديد، موضحًا كيف تلعب العادات، والتسرّع العاطفي، ووهم السعادة المسبقة دورًا أساسيًا في هذا الإخفاق. كما يسلّط الضوء على ما يحدث داخل الدماغ أثناء اتخاذ القرار، وتأثير التربية والتعليم على قوة الإرادة، قبل أن يقدّم خطوات عملية بسيطة تساعد على تقليل الفشل وتحويل القرارات من وعود مؤقتة إلى أفعال قابلة للاستمرار.

ديسمبر 29, 2025 - 14:00
 0
لماذا نفشل في قراراتنا… رغم أننا نبدأها بكلّ حماسة مع بداية العام ؟

مع بداية كل عام جديد، يعود المشهد نفسه ليتكرّر كأنه طقس موسمي لا يخطئ موعده. وعود كبيرة، حماسة عالية، وقرارات “مصيرية” تُقال بثقة: هذا العام سأترك التدخين، سأبدأ حمية صارمة، سأذهب إلى النادي الرياضي، سأغيّر عملي، وربما سأغيّر حياتي بالكامل.
لكن بعد أسابيع قليلة، تتبخّر الحماسة، وتعود العادات القديمة بهدوء… ومعها تبدأ الأسئلة المزعجة من المحيطين:
«ألم تقل إنك ستبحث عن وظيفة اخرى ؟»
«ماذا حصل  بقرار الحمية الغذائية ؟»
«أنت من جماعة القرارات المؤقتة؟»

تبين الإحصاءات انه  نحو 85٪ من الناس يفشلون في تنفيذ قراراتهم. رقم صادم، لكنه يطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا نخفق رغم نوايانا الحسنة؟ وهل المشكلة في ضعف الإرادة فقط، أم أن المسألة أعمق من ذلك؟

علم النفس يقدّم تفسيرًا لافتًا. فمجرد اتخاذ القرار يمنحنا شعورًا بالرضا، وكأننا كافأنا أنفسنا قبل أن نبدأ. حين نقول: «غدًا سأترك التدخين»، نشعر بسعادة فورية، رغم أننا لم نترك شيئًا بعد.
يسمّي المختصون هذا الشعور «اقتراض السعادة من المستقبل». نعيش فرحة الإنجاز مسبقًا، ثم نعود في اليوم التالي إلى نقطة الصفر، لأن القرار بقي كلامًا جميلًا بلا جهد ولا مثابرة.

العادة… الخصم العنيد

السبب الأكبر للفشل اسمه: العادة.
علم الاجتماع يعرّفها بأنها سلوك تكرّر آلاف المرات حتى صار جزءًا من كيان الإنسان. لذلك، تغيير العادة ليس معركة سهلة، بل واحدة من أصعب المعارك النفسية.
ويختصر الفيلسوف وعالم النفس ويليام جيمس الأمر بقوله: «كل حياتنا ليست سوى كومة من العادات العملية والعاطفية والفكرية… تحملنا بشكل لا يقاوم نحو مصيرنا، سرًّا كان أم ضررًا».

ماذا يجري داخل الدماغ؟

في تحقيق علمي أجرته جامعة زيورخ، درس الباحثون كيف يتخذ الدماغ قراراته. ووجدوا أن أي قرار من اختيار وجبة طعام إلى تغيير مسار مهني  يبدأ في قشرة الفص الجبهي وينتهي في القشرة الجدارية.
الأهم؟ قوة التواصل بين هاتين المنطقتين.
كلما كانت الإشارات أقوى، كان الشخص أكثر حسمًا. وكلما ضعفت، ظهر التردّد، وهو ما يصفه علماء النفس بـ«الشخصية المترددة». باختصار: التردد ليس ضعفًا أخلاقيًا… بل نمط دماغي.

اللافت أن عالم النفس الأميركي والتر ميشيل ربط بين القدرة على اتخاذ القرار والتعليم المبكر.
فالدماغ يكون أكثر مرونة حتى سن الخامسة والعشرين، وخلال هذه المرحلة يلعب التعليم دورًا حاسمًا في بناء القدرة على ضبط النفس وتحقيق الأهداف. ما نتعلّمه صغيرًا، يلاحقنا كبيرًا… سلبًا أو إيجابًا.

كيف نقلّل الإخفاق؟

يرى خبراء علم الاجتماع أن تقليل الفشل في اتخاذ القرارات لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى وعي وخطوات عملية بسيطة. فالقرار الذي يُتخذ تحت تأثير العاطفة أو الغضب غالبًا ما يكون الأسوأ، لذلك ينصحون بالتروّي وعدم الانجراف وراء الانفعال

 كما أن الالتزام العلني بالقرار يمنحه قوة إضافية، تمامًا كما فعل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حين أعلن إقلاعه عن التدخين، واضعًا صورته العامة على المحك. ويشدد الخبراء أيضًا على أهمية تحديد مهلة زمنية واضحة للتنفيذ، لأن القرارات المفتوحة بلا موعد تتحوّل سريعًا إلى تسويف.

ولا يقلّ عن ذلك ضرورة اختيار بيئة هادئة وخالية من المشتتات عند اتخاذ القرارات المصيرية، بعيدًا عن مباريات كرة القدم أو تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي. وأخيرًا، تبقى الكتابة أداة فعّالة، سواء على الورق أو عبر التطبيقات، إذ تساعد على ترتيب الأفكار، وتصفية الذهن، ورؤية الصورة كاملة من زوايا لم تكن واضحة من قبل.

المشكلة ليست في اتخاذ القرار… بل في تحويله إلى فعل.
والعام الجديد لا يحتاج وعودًا أكبر، بل خطوات أصغر، واقعية، ومستمرة.
ربما عندها فقط، يصبح السؤال المزعج من الآخرين:
«هل نفّذت قرارك؟»
سؤالًا نجيب عنه بابتسامة، لا بتبرير.