جورج وسوف في عيد ميلاده: محطات صوتٍ هزم المرض والزمن!

ديسمبر 23, 2025 - 17:47
 0
جورج وسوف في عيد ميلاده: محطات صوتٍ هزم المرض والزمن!

ليس مجرد تاريخ ميلاد يُضاف إلى الروزنامة، بل محطة تُستعاد فيها ذاكرة صوتٍ عاش مع الناس أكثر مما عاش على المسارح. في كل مرة يُذكر اسم جورج وسوف، يُستدعى معه وجعٌ جميل، وصدقٌ نادر، وحكاية فنان لم يغنِّ من برجٍ عاجي، بل من قلب الحياة نفسها. هو الصوت الذي شاخ مع جمهوره ولم يخذله، والذي حوّل الألم إلى أغنية، والخسارة إلى حضور، والغياب إلى انتظار دائم للعودة. في عيد ميلاده، لا نحتفي بسنوات العمر، بل بمسيرة إنسان صار صوته وطناً عاطفياً لملايين العرب.

وُلد جورج وسوف في 23 ديسمبر 1961 في بلدة الكفرون بمحافظة طرطوس السورية، وسط بيئة ريفية بسيطة شكّلت ملامح شخصيته الإنسانية والفنية. منذ طفولته المبكرة، ظهرت موهبته الغنائية الاستثنائية، فكان يغنّي في المناسبات والأعراس الشعبية قبل أن يعتلي المسارح في سن صغيرة، ليلفت الأنظار بصوت جبلي قوي وإحساس صادق سبق عمره. في أواخر السبعينات، بدأت انطلاقته الحقيقية حين وصل إلى لبنان، حيث شكّلت بيروت بوابته الواسعة نحو النجومية العربية.

 

في الثمانينات، لمع اسم جورج وسوف كواحد من أبرز الأصوات الطربية الجديدة، مقدّماً لوناً خاصاً يمزج بين الطرب الأصيل والأغنية الشعبية الحديثة. تعاون مع كبار الشعراء والملحنين، وحقّق نجاحات جماهيرية واسعة بأغانٍ أصبحت جزءاً من الذاكرة العربية، أبرزها: “الهوى سلطان”، “كلام الناس”، “طبيب جراح”، “صابر وراضي”، “لفي الحزن”، مؤكداً قدرته على التعبير عن الوجع الإنساني والحب العميق بصدق نادر. لم يكن صوته وحده سرّ حضوره، بل شخصيته العفوية القريبة من الناس، التي جعلت جمهوره يرى فيه واحداً منهم.

 

على مدى التسعينات وبداية الألفية الجديدة، واصل “سلطان الطرب” ترسيخ مكانته الفنية، فامتلأت حفلاته في لبنان وسوريا ودول الخليج وأوروبا وأميركا بالجاليات العربية، وحقّقت ألبوماته أرقام مبيعات مرتفعة، فيما تحوّلت حفلاته إلى طقس جماهيري يردّد فيه الجمهور أغانيه كلمة بكلمة. ورغم تغيّر الذائقة الموسيقية، حافظ جورج وسوف على هويته الطربية، رافضاً الانجرار الكامل إلى الموجات العابرة، مع حفاظه على روح التجديد.

 

لم تكن مسيرته خالية من الانكسارات، إذ تعرّض عام 2011 لوعكة صحية خطيرة أبعدته عن الساحة لفترة، قبل أن يعود إلى الغناء متحدّياً المرض بإرادة لافتة. كما شكّل رحيل نجله وديع عام 2023 واحدة من أقسى المحطات في حياته، حيث انعكس هذا الفقد الكبير في أدائه وأغنياته اللاحقة، مضيفاً عمقاً إنسانياً جديداً إلى صوته المشبع أصلاً بالحزن والتجربة. ومع ذلك، بقي جورج وسوف وفياً لجمهوره، يعود إلى المسرح كلما استطاع، حاملاً معه ذاكرة طويلة من الألم والانتصار.

 

اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود من العطاء الفني، يُعدّ جورج وسوف حالة فنية استثنائية في الغناء العربي، تجاوزت الألقاب والتصنيفات. هو صوت الزمن الجميل الذي قاوم المرض والخسارة والتغيّرات، وبقي حاضراً بإحساسه الصادق وقدرته على لمس القلوب. في عيد ميلاده، لا يُحتفى بتاريخ فنان فقط، بل بمسيرة إنسان غنّى للحب والوجع والأمل، وبقي، رغم كل شيء، سلطان الطرب.