كيف ترتقي كرة القدم النسائية في لبنان بغياب دوري قوي؟
تُعدّ المنتخبات النسائية في لبنان (وفي دول مشابهة) حالة استثنائية، إذ يُطلب منها تمثيل البلاد خارجيًا رغم غياب دوري محلي قوي، منتظم، واحترافي إن هذا التناقض يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن لمنتخب وطني أن يستمر ويتطور من دون قاعدة تنافسية داخلية صلبة.
والبحث عن مصادر الاستمرارية (رغم الضعف البنيوي) فإن اللاعبات المغتربات ذوات الجنسية المزدوجة يشكلن العمود الفقري للمنتخبات وذلك لتعويض نقص الاحتكاك المحلي بخبرة خارجية لكن ذلك يخلق فجوة مع اللاعبات المحليات ويؤخر بناء قاعدة داخلية.
وكذلك الاعتماد على معسكرات خارجية أو داخلية قبل الاستحقاقات وهو تعويض جزئي لغياب التنافس الدوري لكن فعاليتها محدودة ولا تبني استمرارية فنية.
لدينا ايضا الحافز الوطني والشغف الشخصي فالدافع المعنوي لدى اللاعبات يتجاوز الإمكانات حتى من خلال الاستعداد للتضحية المادية والزمنية وهذا الأمر هو عنصر إنساني قوي لكنه غير قابل للاستدامة وحده.
وغالبا ما نجد دعم اتحادي انتقائي لأن التركيز على المنتخب أكثر من الدوري وصرف الموارد المحدودة على المشاركات الخارجية ما يخلق منتخبًا “جاهزًا مؤقتًا” دون بيئة داعمة.
آثار غياب الدوري القوي
هذا الأمر يؤدي إلى ضعف التطور الفني الفردي للاعبات وارتفاع الإصابات بسبب عدم انتظام الحمل التدريبي ويجعل فجوة كبيرة مع المنتخبات التي تمتلك دوريات نشطة وصعوبة تجديد الدم وظهور المواهب مما يصل إلى تراجع النتائج على المدى المتوسط.
هناك نماذج مقارنة في دول نجحت نسبيًا مثل المغرب فالاستثمار بدأ بالدوري ثم المنتخب وكذلك الأردن الذي يملك دوري محدود لكنه منتظم ومربوط بالمنتخب أما في تونس فهناك شراكات جامعية ومدرسية داعمة والجامع المشترك المنتخب نتيجة للدوري، وليس بديلًا عنه.
ومتابعة لهذا الملف تحدثت لاعبة فريق النجمة آنا عسيران لـ"الديار" قائلة: "تحتاج كرة القدم للسيدات في لبنان بداية ملاعب صالحة للعب مع مدرجات لحضور الجماهير، أما النقطة الأهم فهي وجود منافسة حقيقية ومستوى متقارب بين كل الفرق المتبارية في الدوري، إذ من غير المعقول والمنطقي أن تتنافس 3 او 4 فرق والباقي "كومبارس" ويكون هناك تفاوت في النتائج وهناك فرقا ضامنة للفوز بنتيجة كبيرة على الفريق المنافس وهي ضامنة وصولها إلى المربع الذهبي، هذا الأمر يجعل من الحافز لدى اللاعبات غائبا ولا يطور اللعبة والمستوى الفني".
تتابع: "هناك تطور في بعض الفرق وخصوصا بعد دخول نادي النجمة على خط الكرة النسائية وتجهيز فريق منافس يضم خيرة اللاعبات ويملك جمهور كبير يمكنه أن يساند الفريق ويشجعه في الملاعب".
أما اللاعبة الدولية السابقة نانسي تشايليان فتقول: "الدوري فيه منافسة قوية وهذا يشجع لاعبات المنتخب ويعطي الفرص لاكتشاف مواهب جديدة واعدة أما بالنسبة للحضور الجماهيري فهذه الثقافة لا تزال غائبة عن ملاعب السيدات في لبنان كما أن الاعلام لا يولي أهمية كبيرة لهذا الأمر".
أما كيف يمكن الاستمرار بحدّ أدنى من الخسائر؟.. لا بد من تجهيز دوري مصغّر لكن ثابت بعدد محدود من الفرق ووضع روزنامة واضحة والتزام زمني لا يُكسر.
وربط المنتخبات بالفئات العمرية وإعطاء أولوية للتطوير لا للنتائج الفورية وايجاد شراكات تعليمية من مدارس، جامعات، أندية وخلق مسار رياضي–تعليمي للفتيات و الاستفادة من الدعم الدولي وتوجيه الدعم لبناء القاعدة لا فقط السفر.
إن استمرار منتخبات السيدات دون دوري قوي هو استمرار قسري لا تنموي. قد يضمن الحضور، لكنه لا يضمن التطور. الحل لا يكمن في المزيد من المعسكرات أو المغتربات، بل في بناء دوري وإن كان صغيرًا يمنح اللاعبات حقّ اللعب المنتظم.
سامر الحلبي-الديار


