الدخان الديبلوماسي من مُنتجع مارالاغو؟
تحليل سياسي لنبيه البرجي في صحيفة الديار يتناول احتمالات المفاوضات الأميركية – الإسرائيلية حول لبنان وسوريا، ودور دونالد ترامب ونتنياهو، ومستقبل حزب الله، والتوازنات الإقليمية بين واشنطن وأنقرة وتل أبيب، في ظل مخاوف من التصعيد العسكري والتحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
كتب نبيه البرجي في "الديار":
عندما سئل وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس في عهد الرئيس جيمي كارتر، لماذا دعا هذا الأخير الى عقد المحادثات بين أنور السادات ومناحيم بيغن في منتجع كمب ديفيد؟ أجاب "أتصور أن هناك لا تخرج الأشباح من الجدران لتجثم على أكتاف المفاوضين". ألهذا اختار دونالد ترامب منتجعه الباذخ (مارالاغو) في ميامي، لعقد المحادثات الشاقة مع بنيامين نتنياهو حول لبنان وسوريا، كون البلدين باتا في القبضة الأميركية، ولا بد من ابدال اللغة العسكرية باللغة الديبلوماسية.
في ما يتعلق بلبنان، نتوقع قول الرئيس الأميركي لرئيس الحكومة الاسرائيلية "انه لبنان لا غزة ياعزيزي بيبي". لبنان الذي قام أساساً كدولة للمسيحيين، وبعد التشاور بين ودرو ويلسون وجورج كليمنصو، بحضور مسيحي مؤثر في كل قطاعات الحياة. وبالاضافة الىى ديناميكية شعبه، وحيث التفاعل بين الثقافات والطوائف، الطبيعة الخلابة بالقمم الشاهقة التي أثارت المخيلة التوراتية لآرييل شارون، والتي لفتت حتى مجلة Army Magazine الأميركية بتغطية القوس الاستراتيجي الثلاثي (قناة السويس وباب المندب ومضيق الدردنيل).
الأميركيون على بيّنة من المحاولة الاسرائيلية حكم لبنان أثناء اجتياح عام 1982، ودخول الميركافا الى بيروت، واختيار رئيس للجمهورية، ولكن لتنتهي بفشل هائل ما زالت آثاره، لا سيما بعد الخروج من الجنوب اللبناني عام 2000 بفعل المقاومة، تهز الكثير من الرؤوس الاسرائيلية التي ترعرعت على ايديولوجيا الثأر والانتقام. ترامب يريد أن يدعو نتنياهو الى ترك لبنان وسوريا لأميركا. لماذا سوريا؟ ان بسبب اهميتها التاريخية والجغرافية، أو لأن واشنطن لا تريد ارباك أنقرة والرياض، عرّابتي التغيير الذي حدث فيها، وأدى الى سقوط "محور الممانعة" الذي كان بمثابة الجدار الأخير في وجه "المهمة الروحية" لزعيم "الليكود"، اقامة "اسرائيل الكبرى" !
ثم ان تقارير وكالة الاستخبارات المركزية (وكالة "بلومبرغ") أكدت أن "حزب الله لم يعد يفكر بالحرب ضد "اسرائيل"، بعد تجربة "حرب الاسناد" بتداعياتها الكارثية عليه وعلى ما يدعى "البيئة الحاضنة"، والتي كشفت مدى الهوة التكنولوجية، وكذلك الهوة الاستخباراتية.
الهاجس الآن هو الهاجس الوجودي. الأولوية هي لحماية الطائفة الشيعية، ان من قوى داخلية وصلت في عدائها لحزب الله الى الذروة، برهان عبثي وخطير على دمشق أو على "تل أبيب"، خصوصاً بعد المجازر الطائفية التي حصلت ضد العلويين وضد الدروز في سوريا، وبخلفيات ايديولوجية أكثر منها سياسية، لا بل أن قيادة الحزب تمتلك معلومات حول سيناريوات لا تكتفي باخراج الطائفة من المعادلة اللبنانية، بل ومن الخارطة اللبنانية.
بطبيعة الحال لبنان غير غزة، حيث يرى "الاسرائيليون" في الفلسطينيين الخطر المصيري عليهم. من هنا دعوة وزير التراث عميحاي الياهو الى القاء القنبلة النووية على غزة لابادة أهلها، ربما تحقيقاً لحلم دافيد بن غوريون "آمل بأن استيقظ ذات يوم ليقال لي ان غزة، كقنبلة ديموغرافية في خاصرة اسرائيل، اختفت من الوجود"، على أن يستتبع ذلك دفع سكان الضفة الغربية الى الضفة الشرقية أو الى أي بلد عربي آخر...
وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر أعلن في حديث لقناة "العربية ـ أنكليزي" "رغبتنا في التطبيع مع لبنان"، معتبراً أن "الخلافات معه بسيطة ويمكن حلها"، ليضيف بأن "القضاء على حزب الله يعيد لبنان الى أهله". وللمناسبة فان الباحثين "الاسرائيليين" يرون في وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير الخارجية جدعون ساعر، الوزيرين الأكثر غباء في تاريخ الدولة العبرية، وهما اللذان يشغلان الحقيبتين الأكثر أهمية. أما السبب فهو في رغبة نتنياهو أن يجعل من حكومته "قفصاً لتربية الأرانب". هل ان حزب الله قوة احتلال، وهو الذي حرر الجنوب من الاحتلال، أو لكأنه هبط من كوكب آخر، كما يعتقد منظّرو بعض الأحزاب اللبنانية.
لكن السياسات الهيستيرية التي ينتهجها "اليمين الاسرائيلي" أثار مخاوف جيوسياسية وجيوستراتيجة، وحتى مخاوف ايدولوجية، لدى قوى أساسية في الشرق الأوسط، ومنها تركيا التي طالما كانت الحليف القوي للدولة العبرية. ما حدث على الأرض السورية وضع رجب اردوغان أمام الخيار الصعب. الصدام مع نتنياهوالذي لم يمنعه فقط من الوصول الى دمشق، بل وايضاً من بذل أي محاولة لاستثمار الغاز السوري.
هكذا لاحظنا كيف بادرت أنقرة، وأمام عيون الأميركيين، الى دعوة حزب الله للمشاركة في "مؤتمر العهد للقدس" في اسطنبول، ليكون مسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمار الموسوي أحد الوجوه الرئيسية التي استقطبت الاهتمام في المؤتمر، مع تواتر معلومات حول مساع تركية لاقامة اتصالات بين دمشق وحارة حريك، وان كان معلوماً أن واشنطن الموجودة عسكرياً واستخباراتياً في سوريا، تقف ضد هذا الاتجاه.
وكانت معلومات أوروبية قد حذرت من أن حكومة نتيناهو، قد تبادر الى توجيه ضربات حساسة جداً ضد حزب الله، خصوصاً في الضاحية الجنوبية، قبل اجتماع ميامي، وذلك لقطع الطريق على "أوامر" الرئيس الأميركي، الذي حذر من أي تصعيد دراماتيكي على الأرض اللبنانية.
لعل الدخان الديبلوماسي يظهر في ذلك المنتجع الفاخر (مارالاغو)، وحيث يمكن للأضواء الأسطورية في المحيط أن تبهر حتى الذئاب الخارجين للتو من تورا بورا التوراتية...


