حين يتعب المجتمع… ماذا تبقّى من الأمان الاجتماعي؟

تحقيق مجتمعي يرصد كيف يعيش الناس في الشرق الأوسط أزماتهم اليومية بعد الربيع العربي، من غلاء المعيشة والبطالة إلى تآكل الطبقة الوسطى وشعور متزايد بالقلق الاجتماعي والبحث عن عدالة وفرص حياة كريمة.

ديسمبر 16, 2025 - 12:57
 0
حين يتعب المجتمع… ماذا تبقّى من الأمان الاجتماعي؟

 

في كثير من مدن الشرق الأوسط، لا يحتاج الناس إلى تقارير دولية ليعرفوا أن هناك خطبًا ما. يكفي أن تمشي في شارع مزدحم، أو تجلس في مقهى شعبي، أو تستمع إلى أحاديث العائلات عن الإيجار والعمل والتعليم، لتدرك أن القلق صار جزءًا من الحياة اليومية.

منذ سنوات، يعيش المجتمع العربي حالة ضغط مستمر: غلاء معيشة، فرص عمل محدودة، وخوف دائم من المستقبل. ومع أن أحداث «الربيع العربي» انفجرت قبل أكثر من عقد، إلا أن أسبابها الاجتماعية ما زالت حاضرة في تفاصيل حياة الناس.

الطبقة الوسطى… من العمود الفقري إلى الحلقة الأضعف

لطالما شكّلت الطبقة الوسطى صمام الأمان في المجتمعات العربية. موظفون، معلمون، مهنيون، صغار تجار… كانوا يمثلون الاستقرار الاجتماعي. اليوم، كثيرون منهم يصفون أنفسهم بأنهم «على الحافة».

راتب لا يكفي آخر الشهر، قروض تثقل كاهل الأسرة، تعليم أصبح عبئًا لا استثمارًا، وخدمات أساسية تتراجع. هذا التآكل البطيء خلق شعورًا عامًا بأن المجتمع يفقد توازنه، وأن الفجوة بين الناس تتسع يومًا بعد يوم.

الشباب… جيل الانتظار الطويل

في بيوت كثيرة، تتكرر القصة نفسها: شاب أنهى تعليمه، يحمل شهادة جامعية، لكنه عالق بين البطالة أو عمل مؤقت بلا ضمانات. هذا الواقع لا ينعكس فقط على الدخل، بل على الإحساس بالقيمة والكرامة.

يشعر كثير من الشباب أن المجتمع يطلب منهم الصبر، بينما لا يمنحهم أفقًا واضحًا. ومع مرور الوقت، يتحول الإحباط إلى غضب صامت، أو انسحاب من المشاركة العامة، أو هجرة داخلية وخارجية بحثًا عن فرصة حياة.

اللامساواة… حين يشعر الناس أن القواعد لا تنطبق على الجميع

في المجتمعات، لا يثير الفقر وحده الغضب، بل الإحساس بالظلم. حين يرى المواطن أن فرص العمل، والخدمات، وحتى العدالة، مرتبطة بالعلاقات لا بالكفاءة، يتصدع الإحساس بالانتماء.

هذا الشعور هو ما يجعل الناس يقولون: «المشكلة ليست في قلة الموارد، بل في توزيعها». ومع الزمن، تصبح اللامساواة عاملًا يضعف التضامن الاجتماعي، ويحوّل المجتمع إلى جزر منفصلة.

البطالة وأثرها على الحياة اليومية

البطالة ليست رقمًا في الإحصاءات. هي توتر داخل البيت، خلافات عائلية، تأجيل زواج، وشعور دائم بعدم الاستقرار. ومع توسع العمل غير المنظم، بات كثيرون يعملون بلا أمان وظيفي أو حماية اجتماعية، ما يجعل الخوف من الغد رفيقًا دائمًا.

كيف تعاملت الحكومات… وكيف تلقى المجتمع ذلك؟

في لحظات الاحتجاج، لجأت الحكومات إلى حلول سريعة: دعم مالي، زيادات رواتب، وظائف في القطاع العام. بعض هذه الخطوات خفف الغضب مؤقتًا، لكنه لم يعالج شعور الناس الأساسي: أنهم غير مشاركين في القرار، وغير واثقين بأن الأمور ستتحسن على المدى البعيد.

كثيرون يرون أن هذه الحلول تشبه «المسكنات» التي تخفف الألم لكنها لا تعالج المرض.

ماذا يريد المجتمع اليوم؟

بعيدًا عن الشعارات، تبدو مطالب الناس بسيطة عمل يحفظ الكرامة و دخل يكفي العيش بكرامة

 وخدمات عادلة يرافقها  قواعد واحدة ليتساوى الجميع.

ختاما قد لا يخرج الشارع دائمًا، لكن القلق الاجتماعي حاضر. والتجربة تقول إن تجاهل هذا القلق لا يلغيه، بل يؤجله.

الاستقرار الحقيقي لا يبدأ من الأرقام، بل من شعور الناس بأن حياتهم تُحترم، وأن المجتمع لا يترك أبناءه وحدهم في مواجهة الأزمات.