حبيبة نزار التي قرأ عبد الحليم فنجانها!

قراءة في قصيدة «قارئة الفنجان» لنزار قباني، تكشف أن الحبيبة التي غنّاها عبد الحليم حافظ لم تكن امرأة، بل فلسطين؛ وطنٌ مخبّأ في المجاز، ومنفى يتكرّر فيه الفقد حتى وهو حيّ.

ديسمبر 14, 2025 - 21:25
ديسمبر 15, 2025 - 08:56
 0
حبيبة نزار التي قرأ عبد الحليم فنجانها!

كتبت هناء بلال

كنا نعتقد انها فتاة تجلس والخوق يتملكها لتقرأ طالعها وتعرف مصيرها مع الحبيب ولكن «قارئة الفنجان»  ليست قصيدة حبّ، ولا حكاية امرأة تقرأ الغيب في قاع قهوة، بل نصٌّ كُتب من جهة المنفى، من ذلك المكان الذي لا يُسمّى، حيث يعيش الفلسطيني حاضرًا بجسده، غائبًا بوطنه، ومعلّقًا بين ذاكرة لا تموت ومستقبل لا يصل.

الحبيبة التي يتحدّث عنها نزار قباني ليست امرأة تُنتظر في المساء، بل وطن يُنتظر منذ عقود. اسمها فلسطين، لكن الشاعر لم ينطق الاسم، لأن فلسطين أكبر من لفظ، وأثقل من تصريح، وأقرب إلى القلب حين تُقال همسًا.

الخوف في عيني قارئة الفنجان ليس خوف امرأة على عاشقها، بل خوف المنفى وهو يرى أبناءه يكبرون بعيدًا عن صورهم الأولى. الفنجان مقلوب، كحاضر اقتلع منه الأمان، والمستقبل غائم، لأن المنفى لا يمنح إجابات، بل يؤجّل العودة.

حين تقول:

«من مات على دين المحبوب»

فهي لا تتحدّث عن موتٍ واحد.

إنه موتٌ يتكرّر بأشكال مختلفة:

موت في الحرب... 

موت في الغربة.... 

وموت بطيء اسمه الانتظار.... 

فالمنفى، في جوهره، موت بلا جنازة... 

الولد في القصيدة ليس فردًا، بل فلسطيني أُبعِد الى خارج فلسطين.

يحملها في لغته، في لهجته، في أسمائه، لكنه لا يملك حق لمسها... 

لذلك “يحبّ كثيرًا ويموت كثيرًا”، لأن كل حبّ للوطن في المنفى هو جرحٌ جديد...

 وكل ذكرى هي محاولة فاشلة للعودة.... 

وحين تصف قارئة الفنجان حياة الولد بالأسفار والحروب، فإنها تلخّص سيرة الفلسطيني المنفي:

بلاد تُفتح له أبوابها مؤقتًا....

وبلاد ترفض ضيافته لاحقاً... 

جواز سفر لا يدلّ على وطن.... 

وهوية مؤجَّلة إلى إشعارٍ لا يأتي.... 

ثم تظهر الحبيبة.

جميلة…

نائمة…

محروسة…

بعيدة.... 

إنها فلسطين كما يراها المنفي

حاضرة في الحلم.... 

غائبة في الواقع..... 

قريبة حدّ الوجع..... 

وبعيدة حدّ الاستحالة.... 

والطريق إليها “مسدود مسدود”... 

ليس لأن الحبّ ناقص،

بل لأن الحدود أعلى من القلب.

هنا تتكرّر كلمة “مفقود”... 

وليس المفقود في القصيدة هو الشهيد فقط،

بل المنفي أيضًا.... 

الفلسطيني في المنفى مفقود! 

حتى وهو حيّ.. 

مفقود عن أرضه... 

مفقود عن صور طفولته... 

مفقود عن بيتٍ لا يملك مفتاحه إلا في الذاكرة.... 

المنفى لا يقتل الجسد... 

لكنه يُغيّب الإنسان عن نفسه... 

وحين يعود العاشق في القصيدة “كالملك المغلوب”... 

نراه يشبه المنفي الذي عاد إلى وطنه زائرًا،

أو لم يعد أبدًا،

أو عاد محمّلًا باعتذارٍ لا ذنب له فيه... 

ومحبّ لم يُسمح له أن يحمي ما أحبّ.

لم يسمِّها نزار فلسطين،

لأن فلسطين في المنفى تتحوّل إلى امرأة لا تُلمَس،

إلى صورة تُعلَّق،

إلى أغنية،

إلى قصيدة.

«قارئة الفنجان» ليست قراءة للمستقبل،

بل اعترافٌ بأن الفلسطيني،

حتى وهو حيّ،

قد كُتب عليه أن يكون

مفقودًا… في وطنٍ ليس له،

ووطنٍ ليس فيه....