«دلالات رسائل» الرئيس بري إلى الرئيس ترامب عبر السفير ميشال عيسى
كتب عبد الهادي محفوظ:
مبالغات السفير الأميركي في تركيا توم بارّاك حول «ضم لبنان إلى سوريا» هي في غير مكانها ولا تعبّر عن حقيقة الموقف الأميركي. فلبنان له حساباته الخاصة الأميركية باعتباره مستقبلا منصة لإدارة شؤون المنطقة بما فيها سوريا التي يسعى توم بارّاك جاهدا إلى التوفيق فيها بين المصالح التركية والمصالح الاسرائيلية المتعارضة تحت رعاية أميركية تشرك كل المكوّنات في السلطة السورية.
وبالطبع فإن النفوذين التركي والاسرائيلي في سوريا هو على حساب «الدولة الجديدة» التي يترأسها أحمد الشرع وهذا ما لا يشير إليه توم بارّاك حيث إن النفوذ الخارجي فيها هو على حساب سيادتها. وفي المقابل يحرص المفاوض اللبناني على ترسيم للحدود مع اسرائيل وسوريا تكون فيه السيادة للدولة اللبنانية. من هنا، رفع الرئيس نبيه بري الصوت عاليا. فلبنان في قناعته هو وطن نهائي ما دفع السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى إلى اعتبار ما يدلي به السفير توم بارّاك هو مجرد «رأي شخصي».
والملاحظات أن هناك فارقا كبيرا بين السفيرين ميشال عيسى وتوم بارّاك وإن كان الاثنان من أصول لبنانية. فالأول يفاخر بهذه الأصول وهو ليس وسيطا عقاريا. ولا يخفي هواه اللبناني. فيما الثاني يتجاهل «لبنانيته» وهو «وسيط عقاري» يبحث عن توسيع استثماراته في سوريا وتركيا ويلقى دعم إحدى الجهات الخليجية. وهكذا الفارق كبير بين الاثنين وإن كان الأول أي ميشال عيسى قد حذر المسؤولين اللبنانيين من أن المفاوضات «ستجري تحت النار» في إشارة إلى أن الضربات العسكرية الإسرائيلية متاحة أميركيا. أما الحرب المفتوحة فلا.
صراحة ميشال عيسى مع الرئيس نبيه بري استتبعت ثقة بين الاثنين أساسها كيمياء العلاقة ووضوحها، بحيث ارتأى رئيس مجلس النواب بعث «رسائل لبنانية» مباشرة بواسطة السفير الأميركي إلى الرئيس دونالد ترامب على حقيقة الموقف اللبناني في تبني ورقة التفاوض والاستجابة للطلب الأميركي برئاسة مدني هو السفير سيمون كرم لفريق المفاوضات اللبناني والتنفيذ الحرفي للقرار 1701 وما أنجزه قائد الجيش العماد رودولف هيكل من انتشار للجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وسحب السلاح منه والتعقيدات التي تسببها إسرائيل. ورسائل الرئيس نبيه بري هذه إلى الرئيس ترامب هدفها أيضا تبديد «السموم» التي ينشرها بعض أعضاء الكونغرس وبعض اللبنانيين في واشنطن لنشر صورة خاطئة عن الموقف اللبناني الرسمي وأداء المؤسسة العسكرية. ذلك أن الرئيس بري يعرف جيدا واستنادا إلى معلومات ديبلوماسية أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى البيت الأبيض ولقاءه والرئيس ترامب من أهدافها انتزاع موقف أميركي مساند لعملية عسكرية كبيرة تصل إلى حدود نهر الأولي ومصحوبة بضربات جوية للبقاع الشمالي واجتياح محتمل من البقاع الغربي يصل إلى مشغرة.
إذاً رسائل الرئيس بري هدفها قطع الطريق على ما يهيئ له نتانياهو ومعه اليمين الديني اليهودي. ففي المعلومات أن واشنطن تعترض على تهجير الجنوبيين من جانب إسرائيل. وهذه نقطة إيجابية. ورهان الرئيس بري هو أن لبنان متعاون مع الولايات المتحدة كما كل دول المنطقة التي تغلّب سياسية أميركية-أميركية على سياسة أميركية-إسرائيلية تضع العراقيل أمام إنجاز مبادرة الرئيس ترامب للسلام في إقامة «العالم الابراهيمي» وإقامة الدولة الفلسطينية وفقا للرؤية الأميركية لا الرؤية الإسرائيلية.
واشنطن حاليا تملك كل «أوراق المنطقة» وأي حرب إسرائيلية مفتوحة على لبنان تفسح المجال أمام تحالفات جديدة تكون فيها روسيا والصين وتركيا وإيران والسعودية وحتى مصر طرفا فيها، وخصوصا أنه حتى في سوريا تبرز من «الجماعات الإسلامية» بوادر الاعتراض على سياسة التوسع الإسرائيلية. ومن هنا كان رفع «شعار جيش محمد»...
باختصار واشنطن تدير سياساتها بارتباك. والمرتقب تغليب الحكمة الأميركية على سياسة الحروب الإسرائيلية وسياسة التوسع الجغرافي. ومع ذلك هناك من يزيّن للرئيس ترامب أن التوسع الإسرائيلي يخدم السياسة الأميركية. وعلى رأس هؤلاء القاضية المدعية العامة في واشنطن اللبنانية الأصل والمتزوجة من إسرائيلي جانين بيرّو والمقربة جدا من البيت الأبيض. ومع ذلك يرجح الرئيس ترامب أننا أمام سلام قوي في المنطقة.
ختاما «الحذر مطلوب» على ما يردد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إزاء الأفكار الأميركية المطروحة. ويبقى أن الأساس هو الوحدة الوطنية والالتفاف حول الموقف الرسمي اللبناني.


