مقولة الرئيس عون "غلبة التفاوض على لغة الحرب"... هي المخرج الواقعي

تحليل سياسي يسلّط الضوء على دلالات تصفيق السفير الأميركي لخطاب الرئيس جوزاف عون، ودعم واشنطن لمقاربة التفاوض مع إسرائيل عبر “لجنة الميكانيزم”، ودور الشراكة الأميركية–السعودية، إضافة إلى التحوّلات الأميركية الإقليمية واحتمالات المنطقة الاقتصادية جنوباً.

ديسمبر 6, 2025 - 10:59
 0
مقولة الرئيس عون "غلبة التفاوض على لغة الحرب"... هي المخرج الواقعي

  كتب رئيس المركز الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ:

عندما ختم فخامة الرئيس العماد جوزاف عون خطابه عند استقبال البابا لاون الرابع عشر في القصر الجمهوري بحضور ديبلوماسيين وموظفين كبار في الدولة وشخصيات فاعلة صفّق له الحضور بقوة. لكن كان اللافت للإنتباه أن الشخص الوحيد الذي صفق له واقفا ومتحمسا كان السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى. وفي المعلومات أنه التقى بفخامة الرئيس مرتين قبل الخطاب.


ماذا يعني هذا الأمر في دلالاته؟ ببساطة أن السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى يؤسس في ديبلوماسيته على تبني مقاربة الرئيس جوزاف عون "لمبادرة التفاوض" مع اسرائيل من خلال "لجنة الميكانيزم" قطعا لشن حرب اسرائيلية على لبنان ولوقف الإعتداءات والإغتيالات الاسرائيلية وتوفير الظروف المناسبة لتطبيق القرار ١٧٠١ الذي ينص على انسحاب اسرائيل من النقاط المحتلة في الجنوب اللبناني. ومن هنا استجاب فخامة الرئيس للرغبة الأميركية بتسمية مدني في "لجنة الميكانيزم" هو السفير اللبناني السابق في واشنطن المحامي سمير كرم الذي يحظى بثقة الإدارة الأميركية والذي يعرف جيدا تعقيدات الوضع الجنوبي الذي ينتمي إليه والظروف الدولية والاقليمية المحيطة به إضافة إلى التحولات العميقة في المنطقة وإلى كونه يأخذ في الحساب أن لبنان متعدد ومتنوع. ومع ذلك هو محكوم بالمقاربة الرسمية للمفاوضات وآفاقها. أي أن هناك سقفا ما لما يمكن أن يتحرك في ضوئه على ما أشار إليه رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام عندما تحفّظ على تفسير نتنياهو لتسمية السفير كرم في اللجنة بأنه "ذهب بعيدا" وبأن لا تطبيع مع اسرائيل خارج عملية السلام العادل والشامل استنادا للقرارين ٢٤٢ و٣٣٨ كمدخل للبنان بالقبول بمعادلة "العالم الابراهيمي" المربوطة بموافقة سعودية مسبقة بإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام في غزة وعدم التوسع الجغرافي الاسرائيلي في الجولان وجبل الشيخ في سوريا وفي إقامة المنطقة العازلة في الجنوب اللبناني.


وفي كل الأحوال يدرك البيت الأبيض أن سياسته في المنطقة حتى تنجح ترتبط بالشراكة الأميركية – السعودية التي تلقى إجماعا عربيا وإسلاميا والتي تشترط أن يكون لواشنطن سياسة أميركية – أميركية تغلّب المصالح الأميركية لا المصالح الاسرائيلية التي ترتكز إلى سياسة أميركية – اسرائيلية وإن كانت واشنطن تلحظ في كل سياساتها دولة اسرائيل واحتضانها والتوفيق بين مصالحها ومصالح الآخرين. وعلى ما يبدو أن هناك تحوّلا طارئا في التوجه الأميركي يغلّب فكرة الديبلوماسية الناعمة بفتح نوافذ على طهران وحتى على فنزويلا وأيضا بربط موضوع العفو عن نتنياهو بتغيير سياساته التوسعية بما فيها لبنان.


والملاحظ أنه وفقا لمعلومات غربية ليس من قبيل المصادفة إقبال شركات أميركية على شراء أراض على الحدود اللبنانية الاسرائيلية بأسماء مستعارة لشخصيات لبنانية بغرض الإستثمار لاحقا لتوفير الأمان الاقتصادي والمالي وتشغيل جنوبيين وربطهم بالإستقرار وما يقتضيه. والسؤال هل ترمي واشنطن إلى إقامة المنطقة الاقتصادية تجنبا للمنطقة العازلة التي تريدها اسرائيل داخل الأراضي اللبنانية وتكون مستقبلا مدخلا لتعاون اقتصادي يشمل اسرائيل في حال تحققت عملية السلام. وهذا التعاون يرمي إلى استثمار النفط والغاز والاقتصاد برعاية أميركية وبشراكة منها أيضا.


“أن تسود لغة التفاوض لا لغة الحرب". مقولة للرئيس العماد جوزاف عون تشكّل قاعدة التوجه الرسمي اللبناني. وهي قاعدة "صائبة" وتستجيب لرغبة البابا الذي نصح بذلك حتى يستطيع جذب العالم الكاثوليكي إلى معادلة "وقف الحرب والعدوان". وهنا لا ينبغي أن ننسى الوزن الكاثوليكي في المعادلة الأميركية وفي كون البابا يحمل الجنسية الأميركية وخصوصا مع تحوّل في  الرأي العام الأميركي والغربي بين الشباب والنساء ليس لصالح اسرائيل.


والحقيقة أن واشنطن شجعت لبنان على غلبة لغة التفاوض وتحاول لجم اسرائيل عن تخريب مبادرة الرئيس ترامب للسلام ومن تقديمه للشراكة الأميركية السعودية على أي اعتبار آخر. وإحدى الأوراق التي يلعبها الرئيس الأميركي هي "موضوع العفو" عن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. ذلك أن واشنطن أصبحت تملك الكثير من التأثير في "دولة اسرائيل العميقة" وتستطيع توجيه الدفة السياسية في الإتجاه الذي تريد. وبهذا المعنى فإن رهانات الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون هي في مكانها. فلغة الحرب في حسابات نتنياهو ترتبط بالتوسع الجغرافي والهيمنة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية... والمخرج هو في تغليب السياسة الأميركية – الأميركية لا السياسة الأميركية – الاسرائيلية وهذا ما يرمي إليه "العفو الأميركي".