العلاقة بين الأمير حسّام الدين بشارة وصلاح الدين الأيوبي نحو نموذج معاصر

اكتشف دور الأمير حسّام الدين بشارة في الجبهة الجنوبية للشام خلال الحروب الصليبية، وعلاقته بالسلطان صلاح الدين الأيوبي، كنموذج تاريخي لتجاوز الانقسامات المذهبية وتوحيد المقاومة ضد المشروع الصليبي. دراسة تاريخية وتحليلية لأمير جبل عامل وتأثيره في تحرير المدن الجنوبية.

نوفمبر 20, 2025 - 11:18
 0
العلاقة بين الأمير حسّام الدين بشارة وصلاح الدين الأيوبي  نحو نموذج معاصر

 كتب باسم الموسوي:


المقدمة
يشكّل الأمير حسّام الدين بشارة أحد أبرز قادة المرحلة الأيوبية الذين لعبوا دورًا محوريًا في الجبهة الجنوبية من بلاد الشام إبّان الحروب الصليبية، غير أنّ حضوره ظلّ باهتًا في المصادر المركزية بسبب تحيّزات مذهبية وسياسية جعلت أخبار الأطراف أقل ظهورًا من أخبار البلاط.

وفي المقابل، برز ذكره في المواضع التي اضطر مؤرخو الدولة الأيوبية إلى تسجيلها عند تناولهم أحداث الحصون والمدن التي تولّى الدفاع عنها، أو عند الحديث عن الصراع بين أولاد صلاح الدين بعد وفاته.

ويتيح الكتاب المرفق «حسّام الدين بشارة: أمير جبل عامل» للشيخ جعفر المهاجر، إضافة إلى شهادات المؤرخين المعاصرين لصلاح الدين، مادة علمية صلبة لإعادة بناء العلاقة بين الأمير بشارة والسلطان الناصر صلاح الدين.

أولاً: هوية حسّام الدين بشارة وتمييزه عن أبي الهيجاء السمين
تكشف دراسة المصادر الأيوبية أنّ هناك قائدين يحملان لقب «حسّام الدين»:
حسّام الدين أبو الهيجاء السمين – كردي، من أكابر الأمراء، توفي سنة 595هـ.

حسّام الدين بشارة – أمير على تبنين، بانياس، وعكا، توفي سنة 598هـ.

وحصل الخلط بينهما لأن كليهما شارك في حصار عكّا سنة 585هـ، ولكل منهما دور عسكري بارز.
لكن المراجعة الدقيقة تُظهر بوضوح أن:
بشارة كان واليًا على عكّا بنص أبي شامة وابن تغري بردي.

أبو الهيجاء السمين كان مقدَّم جندها وليس واليًا عليها.

وبذلك يستعيد الأمير بشارة شخصيته المستقلة بوصفه قائدًا عربيًا محليًا، لا قائدًا كرديًا وافدًا.

ثانياً: موقع الأمير بشارة في مشروع صلاح الدين السياسي والعسكري
1. دوره في الحصون الجنوبية (تبنين، بانياس، صور)
تُظهر المصادر التي اعتمد عليها كتاب المهاجر أنّ موقع الأمير بشارة كان استراتيجيًا؛ فقد كان مسؤولاً عن إحدى أعقد الجبهات في مواجهة الصليبيين.
أ. تبنين – مركز القيادة الأول
عندما حاصر الفرنج قلعة تبنين، كان بشارة أميرها، ودافع عنها بشجاعة لافتة.
وقد حاول ابن الأثير طمس دوره فنسب الصمود إلى «العزيز عثمان» ابن صلاح الدين، رغم أنّ الأخير كان غائبًا عن ساحة الحصار.
ويُعدّ هذا الدفاع أحد مفاتيح فهم ثقة صلاح الدين ببشارة لاحقًا.
ب. بانياس – خط الدفاع الشمالي لصيدا وصور
ابتداءً من سنة 585هـ ظهر بشارة في المصادر بوصفه صاحب بانياس، وهي مدينة تقع عند ممرات حيوية بين الجليل وحوران.
وقد جعل منها قاعدة للضغط على الفرنج في صور.
ج. عكّا – ذروة العلاقة مع صلاح الدين
في سنة 585هـ، وبعد دخول صلاح الدين إلى عكّا، ولّى حسّام الدين بشارة ولاية المدينة، وهي من أخطر ولايات السلطنة في ذلك الوقت، لأن عكّا كانت محور الصراع مع الصليبيين.
ابن تغري بردي يذكر ذلك صراحة، وأبو شامة يعيده حرفيًا.
هذه الولاية تُعدّ أعلى مستوى من مستويات الثقة السياسية والإدارية من السلطان إلى أحد قادته.

ثالثاً: الأمير بشارة في المعارك الكبرى لصلاح الدين
1. ما قبل حطّين
لا تذكر المصادر اسم بشارة في معركة حطّين مباشرة، لكن المؤشرات التي أوردها كتاب المهاجر توضّح وجوده ضمن القوات المتقدمة على الجبهة الجنوبية، خصوصًا أن دوره اللاحق في تبنين وبانياس يشي بأنّه كان ضمن القوات العامليّة المحلية المساندة للجيش الأيوبي.
2. بعد حطّين: مرحلة التحرير الشامل
بعد حطّين (583هـ)، تحرّكت جيوش صلاح الدين لتحرير قلاع جبل عامل:
الشقيف، تبنين، هونين، ثم صيدا والصرفند.
ويظهر أن الأمير بشارة كان جزءًا من شبكة قادة الواجهة الجنوبية الذين ساعدوا على استعادة السيطرة على هذه المنطقة، والدليل أنّه تولّى ولايات المدن المحرَّرة مباشرة بعد سقوطها.
3. حصار عكّا الجديد (587–588هـ)
في حصار الفرنج لعكّا لاحقًا، كان بشارة ضمن القادة الذين استعان بهم صلاح الدين لتنظيم الدفاع وإدارة القوات داخل المدينة.

رابعاً: العلاقة السياسية بين بشارة وصلاح الدين
1. الثقة الإدارية
إسناد ولاية عكّا وبانياس لبشارة يدل على:
قربه من مركز القرار الأيوبي

إدراك صلاح الدين لأهمية القيادات المحلية

قدرة بشارة على إدارة المناطق الحساسة

2. دوره في مجلس الاحتضار
ابن تغري بردي يذكر أنّ بشارة كان من الأمير الذين استحلفهم الملك الأفضل عند احتضار والده صلاح الدين.
هذا يعني أنّ بشارة كان ضمن الحلقة الضيقة للأمراء الذين حضروا لحظة انتقال السلطة، وهي لحظة لا يُستدعى لها إلا الأكثر ولاءً ونفوذًا.
3. الصراع بعد وفاة صلاح الدين
بعد وفاة السلطان سنة 589هـ، وقع نزاع بين أولاده والملك العادل.
كان بشارة من أنصار أولاد صلاح الدين، فقاتله العادل عند بانياس سنة 598هـ، وقتل ابنه، وأخرجه من المدينة.
ثم توفي بشارة في العام نفسه كما ذكر أبو شامة.
هذا يدل على أن علاقته بصلاح الدين كانت ولاءً للمشروع الأيوبي الأصلي لا لمجرد صاحب السلطة القائم.

خامساً: بشارة كأمير لبلاد جبل عامل
استنادًا إلى كتاب جعفر المهاجر، فإنّ الأمير حسّام الدين بشارة هو:
المؤسس الأول لبيت الزعامة العامليّة

زعيم المنطقة التي نشأت عنها بلاد «بشارة» في العهد المملوكي

الرجل الذي وفّر الحماية للعلماء واللاجئين، ما سمح بظهور النهضة العامليّة (مدارس جزّين، بني وائل، بني الزين،…)

القائد الذي استقبل موجات المهجّرين من فلسطين والأردن بعد المذابح الصليبية

وبذلك فإن علاقة بشارة بصلاح الدين لم تكن علاقة أمير محلي بقائد عام فحسب، بل علاقة منظومة دفاع جنوبية شكّل بشارة أحد أعمدتها.


تكشف المقارنة بين المصادر الأيوبية والبحث التحقيقي الذي يقدّمه جعفر المهاجر أنّ الأمير حسّام الدين بشارة كان من أقرب القادة العرب المحلّيين إلى السلطان صلاح الدين، وقد أوكل إليه:
إدارة عكّا

إمارة بانياس

الدفاع عن تبنين وعموم بلاد بشارة

المشاركة في البنية العسكرية التي قادت إلى تحرير مدن جبل عامل وفلسطين

وقد غُيّب ذكره عمدًا في بعض المصادر المركزية، إلا أنّ النصوص التي لم يتمكّن المؤرخون من إخفائها تثبت أنّ بشارة كان جزءًا بنيويًا من مشروع صلاح الدين العسكري والسياسي، وأنه أحد المؤسسين الفعليين للشخصية التاريخية لجبل عامل.
إليك الفقرة المطلوبة، مكتوبة بأسلوب أكاديمي ومنسجمة مع البحث السابق، ويمكن دمجها مباشرة ضمن الخاتمة أو كمبحث مستقل:

نموذجٌ تاريخيّ لتجاوز الانقسام المذهبي وتوحيد المقاومة
تكشف العلاقة بين الأمير حسّام الدين بشارة وصلاح الدين الأيوبي عن نموذجٍ مبكر لتجاوز الانقسامات المذهبية والسياسية في لحظة تاريخية بلغت فيها الأخطار وجودية. فبينما كان الإصلاح العسكري والسياسي لصلاح الدين يقوم على إعادة بناء الجبهة السنّية في الشام ومصر، كان الأمير بشارة يمثّل قاعدة شيعية محلية راسخة في جبل عامل. ومع ذلك لم يمنع اختلاف الانتماء المذهبي من قيام تحالف وطني ـ حضاري واسع، تشكّل فيه «المركز» و«الأطراف» وحدة واحدة في مواجهة المشروع الصليبي الاستعماري الذي استهدف الجميع بلا تمييز.
لقد أدرك صلاح الدين أنّ الانتصار لا يتحقق بالاعتماد على القادة الأيوبيين وحدهم، بل يحتاج إلى الطاقات المحلية التي تعرف تضاريس الجبهة الجنوبية وواقع مجتمعاتها، فاختار بشارة ـ رغم اختلاف المذهب ـ وأعطاه أهمّ ولايات الساحل، من تبنين إلى بانياس ثم عكّا، وهي ولايات ما كان السلطان ليضعها في يد رجل لا يحظى بثقة استراتيجية كاملة. وفي المقابل، أدرك بشارة أنّ الدفاع عن جبل عامل ليس مشروعًا شيعيًا ضيقًا، بل جزء من منظومة دفاعية أشمل عن القدس والشام والعالم الإسلامي، فاندمج في المشروع الأيوبي اندماجًا كاملًا، ولم يتعامل معه كسلطةٍ فوقية بل كتحالف حقيقي في وجه عدوّ واحد.
ويشير هذا النموذج إلى أنّ الاختلاف المذهبي لم يكن عائقًا أمام بناء جبهة مقاومة موحّدة حين أدرك الطرفان أنّ مواجهة الاحتلال تتطلّب توظيف كل القوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية ضمن إطار جامع. فقد أتاح هذا التعاون إعادة تحرير الشريط الجنوبي من الشام، وسقوط قلاع الفرنج تباعًا، وظهر فيه أنّ «الهوية المذهبية» تتراجع أمام هوية المقاومة وضرورات الدفاع عن الأرض والناس.
ومع أنّ التاريخ الوسيط غالبًا ما صُوّر عبر عدسات الصراع المذهبي، إلا أنّ علاقة بشارة بصلاح الدين تُظهر الوجه المقابل: أنّ الخطر الخارجي كان قادرًا على خلق فضاء مشترك، وأنّ التحالف بين قائد أيوبي سنّي وقائد عاملي شيعي لم يكن تحالفًا اضطراريًا عابرًا، بل تحالفًا وظيفيًا يقوم على الكفاءة والولاء للأرض قبل أي انتماء آخر. وهو ما يجعل هذا النموذج ـ في سياق اليوم ـ مرجعًا لقراءة إمكانات تجاوز الانقسام الداخلي لمواجهة أي شكل من أشكال الهيمنة أو الاحتلال، عبر إعادة الاعتبار لأولويّة التحرّر على ما سواها.