حين اشتعلت سوريا… استيقظ العراق: كيف صوّت الشيعة تحت صدى الحرب الكبرى؟

تحليل عميق لكيفية تأثر الانتخابات العراقية لعام 2025 بتداعيات الحرب السورية، وكيف أسهمت المخاوف الطائفية وشدّ العصب الشيعي في تشكيل نتائج الاقتراع. قراءة سياسية توضّح تحوّل الهوية الشيعية من التصويت السياسي إلى التصويت الوجودي في مرحلة إقليمية شديدة الاضطراب.

نوفمبر 19, 2025 - 12:37
نوفمبر 19, 2025 - 12:47
 0
حين اشتعلت سوريا… استيقظ العراق: كيف صوّت الشيعة تحت صدى الحرب الكبرى؟

 كتبت زينب هاشم :

في انتخابات العراق النيابية لعام 2025، لم تكن صناديق الاقتراع مجرد صناديق؛ كانت أشبه بأجهزة حسّاسة تلتقط ارتدادات زلزال بدأ قبل سنوات في سوريا. وما إن أعلنت النتائج حتى اتضحت الصورة: الكتل الشيعية تقدّمت، تماسكها ارتفع، ووعيها الانتخابي تشظّى من عمقٍ طائفي لم تألفه السنوات الأخيرة بهذه الحدّة.

لكن السؤال المربك:
هل حقًا كانت الحرب السورية وراء هذا المدّ الشيعي؟
وهل استيقظ الناخب العراقي على هويته المذهبية من جديد بعد أن رأى، عبر الحدود، المشهد ذاته يتكرر بأبشع صوره؟
*العراق يصوّت تحت ظلال حلب وحمص
من يظن أن الحدود الجغرافية تصنع حدودًا للوعي السياسي مخطئ.
فما حدث في سوريا لم يكن مجرد نزاع داخلي؛ كان فرزًا مميتًا للهويات، وأشبه بمرآة سوداء عُلّقت في وجه المنطقة كلها.
الشيعة في العراق نظروا إلى تلك المرآة، ورأوا فيها شيئًا آخر:
رأوا احتمال تكرار السيناريو.
رأوا طائفة تتعرض للتآكل، للملاحقة، للقتل والتهجير.
رأوا أن المعركة ليست على أرضهم، لكنها قد تصبح معركتهم في أي لحظة.
هذا الخوف ـ الذي لم يُعلن أحد عنه صراحة ـ كان كافيًا ليحرّك ماكينة الوعي الشيعي ويحوّل الانتخابات العراقية إلى معركة وجود لا معركة برامج.
*شدّ العصب: الصوت الذي خاف أن يبقى بلا جدار
الناخب الشيعي في 2025 لم يصوّت كفرد؛ صوّت كجماعة.
صوّت وهو يرى أن ما يحدث في سوريا ليس استثناءً، بل نموذجًا يمكن إعادة إنتاجه.
صوّت تحت ضغط سؤال مرعب:
إذا كان حلفاؤنا ومماثلونا هناك يُستنزفون، فكيف سنحمي أنفسنا هنا؟
ولهذا أصبحت الانتخابات ساحة توتر، وليست مجرد عملية سياسية.
وتحوّل الصوت الشيعي إلى ما يشبه “الاستجابة المناعية”، صوتٌ يُرفع لحماية الكيان وليس لحماية المرشح.
*القوى الشيعية استفادت… لكنها لم تفتعل هذا المزاج
من الخطأ اختزال الأمر إلى خطاب سياسي ناجح أو دعاية انتخابية ذكية.
القوى الشيعية لم تخلق المزاج؛ المنطقة كلها فعلت.
سقوط مدن في سوريا، تمدد جماعات، دخول أجهزة استخبارات، انكسارات متتالية… جعلت الناخب العراقي يرى أن المنطقة تتحرك نحو “حرب هويات” لا نحو استقرار الدول.
وهكذا، ومع اقتراب الانتخابات، بدا وكأن هوية الشيعة في العراق أصبحت أكثر رصانة، أكثر خوفًا، وأكثر تصميمًا.
وهذا المزيج — حين يدخل صندوق التصويت — يصنع نتائج ضخمة.
لماذا كان التصويت الشيعي عاليًا بهذه الطريقة؟
لأن الناخب رأى:
• أن القوى الشيعية تمثّل خط دفاعه الأول.
• أن سوريا كانت درسًا قاسيًا لا يريد إعادة مشاهدته.
• أن البدائل قد تعني تفكك الهوية لصالح مشاريع أوسع قد تبتلع الطائفة.
• وأن الخلل الإقليمي ينعكس على الداخل مهما حاولت الدولة عزل نفسها.
لذا أصبحت انتخابات 2025 أشبه بـ استفتاء مذهبي غير معلن.
لكن… هل ينتصر الشيعة حقًا بفوزهم؟ أم يربحون معركة ويخسرون الدولة؟
هنا جوهر الأزمة.
الفوز بالأصوات لا يعني الفوز بالدولة.
والتمسك بالهوية لا يعوّض غياب مشروع سياسي عابر للطوائف.
إذا بقيت القوى الشيعية تحكم بعقلية “الدفاع عن الذات”، ستبقى رهينة الظروف التي صنعت انتصارها.
أما إذا قرأت اللحظة بطريقة أعمق، فستفهم أن أمامها فرصة ذهبية للتاريخ:
أن تتحوّل من قوة طائفية إلى قوة دولة.
ليس المطلوب انتصارًا للشيعة على غيرهم، بل انتصارًا للعراق الذي ينهكه الاستقطاب منذ عقدين.
*سوريا أشعلت الجرس… لكن من يطفئه في بغداد؟
لقد قدّمت الحرب السورية أكبر درس للشيعة العراقيين:
أن الهوية وحدها لا تكفي لحماية أحد،
وأن غياب الدولة يُسقط الجميع مهما كان عدد المقاعد.
اليوم، الكرة في ملعب القوى الشيعية التي صعدت:
هل ستستثمر هذا التفويض الشعبي لحماية الدولة؟
أم ستكتفي بحماية الطائفة؟
هل ستحوّل الخوف إلى مشروع؟
أم ستتركه يتحول إلى قيد جديد؟