كتب غاصب المختار في "اللواء":
ثَبُتَ بالوجه العسكري والسياسي توجّه كيان الاحتلال الإسرائيلي الى نسف كل محاولات الدول العربية وبعض الدول الغربية - بإستثناء بريطانيا والولايات المتحدة وعدد قليل آخر منها - لوقف حمامات الدم الواسعة التي يرتكبها رئيس الكيان بنيامين نتنياهو وللبدء بمفاوضات تؤدي الى تسويات سلمية في فلسطين ولبنان وسوريا بشكل خاص ومع باقي العرب بشكل عام، ذلك ان نتنياهو وبدعم من الرئيس دونالد ترامب، يسعى الى ترتيبات واتفاقات من نوع آخر لا مكان للسلام فيها، بل تقوم على إجراءات واتفاقات أمنية بالدرجة الأولى تتيح له الإمساك بالعصب الأساسي للدول العربية، الأمن والأرض والمياه والخيرات الاقتصادية الموجودة فيها.
ولعلّ العرب قد اقتنعوا أخيراً بعد العدوان الإسرائيلي الخطير في طبيعته والواضح في مدلولاته، على قطر بحجة اغتيال قادة حركة «حماس»، ان قادة الكيان المحتل لا يسعون إلى سلام بل الى محاولة السيطرة على قرارات الأمة العربية ومقدراتها وإخضاعها أمنيا واقتصاديا وسياسياً، وإلغاء حق العودة للفلسطينيين بشكل نهائي وإلغاء مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ولو على جزء من أرض فلسطين، فمن يريد توسيع حدود كيان الاحتلال لتشمل معظم أراضي العرب من الفرات الى النيل وصولا لدول الخليج العربي حسب «مشروع إسرائيل الكبرى»، لن يتخلّى عن أي قطعة أرض يحتلها.
وقد استشعرت القمة العربية – الإسلامية التي عقدت في الدوحة مؤخراً حقيقة ومخاطر هذه التوجهات الإسرائيلية، بعدما فوجئوا بالعدوان على قطر وهو أمر لم يكن أي بلد عربي يحسب له حساب، نظرا لدور قطر الإقليمي البارز في ترتيب وقف الحرب في غزة والدخول في مفاوضات حول ترتيبات أمنية وسياسية تؤمّن حالة من الاستقرار ولو المؤقت. لكن قادة الاحتلال أكدوا عبر العدوان نواياهم بعدم الرغبة في تحقيق الحلول للقضية الفلسطينية.
صحيح ان قرارات قمة الدوحة لم تكن على المستوى المطلوب بنظر الكثيرين، لكنها أسست لنهج عربي وإسلامي جديد في التعامل مع كيان الاحتلال، وهو كان سيكون أقوى وأفعل لو جمّدت دول التطبيع كخطوة أولى علاقاتها مع هذا الكيان وطردت كل ممثليه ومستوطنيه من عواصمها، وأشهرت بحزم مكامن القوة العسكرية والاقتصادية لديها، بعد فشل ذريع للمساعي الدبلوماسية التي تقوم بها.
بالتوازي، اتجه نتنياهو الى التصعيد العسكري الواسع في المنطقة من دون أي ضوابط، بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبنّي «حل الدولتين» في فلسطين المحتلة، وبعد البدء بترتيب العلاقات السعودية - الإيرانية عبر الزيارات المتبادلة بين مسؤولين في الدولتين وآخرها قبل يومين زيارة أمين المجلس القومي الإيراني علي لاريجاني ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حيث بحثا العلاقات المشتركة والوضع في الإقليم وسبل التعاون في المجالات المشتركة. وبعد الدعم العربي للبنان وسوريا لتثبيت الاستقرار فيهما، وكردٍّ صريح على إعلان عدد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين وتجميد صفقات أسلحة وأنشطة أخرى مع كيان الاحتلال بسبب المجازر الوحشية وعملية التطهير والتهجير التي يقوم بها في غزة، التي تدلّ على تفلّت هذا الكيان واستغنائه عن الدعم الغربي طالما انه يحظى بدعم الولايات المتحدة القوى العظمى الأولى في العالم والقادرة على تعطيل أي قرار عالمي يضرّ بإسرائيل.
على هذا، ماذا تنتظر حكومة لبنان لتغيير سياسة «التسوّل» المتبعة مع الأميركي والإسرائيلي بعد كل هذه التطورات وإنكشاف المشاريع والأهداف الإسرائيلية؟ وعلى ماذا يراهن لبنان بعد إتضاح التوجه الأميركي - الإسرائيلي بنزع مكمن القوة في لبنان المتمثلة بالمقاومة وسلاحها ومن دون أي مقابل حتى الآن؟ وهل يكفي الدفع الأميركي نحو عقد اتفاق أمني سوري - إسرائيلي ليقتنع المسؤولون عندنا ان إسرائيل وأميركا لا تسعيان سوى الى ضمان أمن كيان الاحتلال وضمان سيطرته على مقدرات المنطقة من باب الأمن والحرب لا اعتماد السلام العادل؟