كتبت هناء بلال
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات التي تطلب من المرأة التنازل، والاعتذار، والتبرير، يأتي كتاب «لستُ آسفة» للكاتبة نجلاء حسن كصرخةٍ هادئة، تجمع بين الأدب والتحفيز، بين الاعتراف والتمرّد، لتقدّم عملاً يعيد تعريف القوة من الداخل، ويمنح للبوح صوتًا ناضجًا.
https://www.instagram.com/reel/DKbX7RRN8YI/?igsh=MTc2YzlwYzJzM2g1bw==
منذ الصفحات الأولى، يتّضح أن الكاتبة لا تخاطب قارئها من موقعٍ تعليمي أو وعظي، بل تدعوه إلى الغوص في أعماق الذات، لا بصفته متلقيًا لنصوصٍ عابرة، بل شاهدًا على تحوّلٍ إنساني صادق. فالكتاب ليس مجرد مجموعة من الخواطر أو العبارات المنمقة، بل رحلة تأملية تجمع بين تطوير الذات والبوح العاطفي بأسلوبٍ لغويٍّ بسيطٍ وعميق في آنٍ واحد.
في أحد مقاطع الكتاب تقول حسن:
"أولئك الذين كنتَ تخشى أن تنتهي محادثتك معهم، وترجو الوقت أن يتمهّل برفقتهم... كيف غدوت اليوم بدونهم؟ تمضي بك الأيام خاوية من تفاصيلهم، ويبدو في عينيك ضيق هذا الكون، بعد أن كان اتساعه في حضورهم."
[caption id="attachment_98515" align="alignnone" width="184"] «لست آسفة».. صرخة هادئة تعيد تعريف القوة الأنثوية[/caption]
بهذه اللغة المشحونة بالشجن، تعبّر الكاتبة عن تجربة الفقد الإنساني بصدقٍ نادر، دون تصنّعٍ أو افتعال. غير أنّها لا تستسلم للحزن، بل تحوّل الوجع إلى وعيٍ جديد، والرحيل إلى بداية أكثر نضجًا وصفاءً. وهنا تكمن فرادة العمل: فهو لا يقف عند حدود العاطفة، بل يتجاوزها ليقدّم دعوة صريحة للمرأة كي تحترم ذاتها وتختار نفسها دون خوفٍ أو ندم.
تدعو الكاتبة الى التوقف عن الاعتذار المفرط وغير الضروري الذي تمارسه كثير من النساء في حياتهن اليومية، سواء في العمل أو في العلاقات الشخصية أو حتى في المواقف البسيطة لانها ترى أن هذا الاعتذار المستمر ليس نابعًا من اللطف، بل من برمجةٍ مجتمعيةٍ قديمة جعلت المرأة تُختزل في صورة الخضوع والتنازل.
وعبر فصول الكتاب، تقود الكاتبة القارئة في رحلةٍ لاستعادة الثقة وتقدير الذات، محاولةً الإجابة عن سؤالٍ جوهري:
"كيف أرفض ما لا يناسبني دون الشعور بالذنب؟"
وهنا يتحوّل الكتاب من مجرد نصوص تأملية إلى دليلٍ عملي، يقدّم خطواتٍ ونصائح لتعلّم قول "لا" بثقة، ووضع حدودٍ صحية في العلاقات، والتعبير عن الرأي دون الخوف من الأحكام المسبقة.
في فصلٍ لافتٍ بعنوان «المرأة مخلوق ضعيف»، تتحدى الكاتبة المفهوم السائد قائلة:
"لا توجد امرأة ضعيفة، بل توجد امرأة صدّقت الأوهام التي سمّموا عقلها بها، فرضيت وخضعت وتنازلت عن قيمة كبريائها."
وتستكمل تعريفها للمرأة القوية بقولها:
"المرأة القوية هي من تعرف متى ينبغي أن تُغدق بأحاسيسها، ومتى يتوجب أن تضع كرامتها فوق كل اعتبار. المرأة القوية هي القادرة على التمييز بين من يستحق أن تمنحه كل ما فيها من مشاعر، ومن يستحق أن تترفّع بمشاعرها عنه."
بهذا الطرح، تمزج الكاتبة بين الوعي النفسي والبلاغة الأدبية، وتمنح للمرأة مساحةً لتعيد اكتشاف ذاتها بعيدًا عن مقاييس المجتمع التقليدية.
وفي مقطعٍ آخر موجّه لكل امرأة تتأرجح بين البقاء والانسحاب، تكتب:
"أخبرني كم تشعر أنك هزيل مهزوم حينما تدافع عن قضية حب خاسرة.. لتحظى بقرب من جعلك على الهامش وارتضيت ذلك لنفسك."
يحمل عنوان الكتاب «لستُ آسفة» دلالة تتجاوز العبارة إلى أن تكون موقفًا وجوديًا؛ إذ تختزله نجلاء حسن كصرخةٍ أنثوية ناعمة، لا تُعلن الحرب على أحد، بل تُعلن السلام مع الذات. فـ"عدم الاعتذار" في منظورها لا يعني القسوة أو الغرور، بل يعني التحرر من الخوف المزمن من الرفض، ومن الحاجة المستمرة إلى تبرير الوجود.
إنه إعلانٌ رمزيّ عن بداية جديدة، حيث تختار المرأة نفسها أولًا، وتدرك أن الاعتذار عن كونها هي كما هي، هو أول خسارة في معركة الكرامة. وهكذا يتحوّل العنوان إلى شعارٍ للتحرر والوعي والاتزان، تلخّص فيه الكاتبة رسالتها الجوهرية: لا تكوني آسفة على شجاعتك، على صمتك، على اختيارك، على كونك أنتِ.