وحدات حماية المرأة في «سوريا الإسلامية»
خبر من Goodpresslb
بقلم سودارسان راغافان
داخل معسكر واسع في شمال سوريا هذا الصيف، درّبت قوات خاصة كردية مدعومة من الولايات المتحدة دفعة جديدة من المقاتلات. كلّهن من النساء.
هنّ جزءٌ من قوات سوريا الديمقراطية، والتي بمساندة أميركية ساهمت في هزيمة تنظيم داعش منذ ست سنوات، وتسيطر حالياً على شمال شرق سوريا، أي نحو ثلث البلاد. ارتدين سترات مضادة للرصاص ونظارات للرؤية الليلية، وحملن بنادق M4، وقفزن من مركبات مدرعة أميركية. وأصدرت قائدةٌ أوامرَ لرجال تحت إمرتها.
مكانتهن في صفوف «قسد» تُشكّل نقطة خلاف في مسعى توحيد البلاد تحت الحكومة الإسلامية الجديدة في دمشق. قالت روهلات عفرين، التي تقود المقاتلات في إدارة شمال شرق سوريا التي يقودها الكرد: «من الصعب جداً على الجهاديين تقبّل أن تمارس المرأة دوراً مساوياً للرجل».
حضرت روهلات عفرين اجتماعاً مع الحكّام الجدد لسوريا في وقتٍ مبكرٍ من هذا العام، حيث وقّعت «قسد» اتفاقاً لدمج إداراتها وقواتها مع الحكومة المركزية. كانت هي المرأة الأعلى رتبة في الوفد، لكن الرئيس أحمد الشرع رفض أن يصافحها، مما تركها تتساءل إن كان بالإمكان يوماً أن تتطابق العقليتان أساساً. وقالت: «لدينا عقلية مختلفة تماماً».
التواصل بين الإدارة الذاتية والحكومة الجديدة في دمشق يُعدُّ حيوياً، حسب المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، لاستقرار سوريا بعد نصف قرن من الحكم السلطوي لعائلة الأسد. لكن الاتفاق الذي جرى قبل ستة أشهر بين أقوى كيانين سياسيين وعسكريين في سوريا بدأ يتصدّع وسط صدامات وانعدام الثقة.
من أهم نقاط الخلاف: طلب «قسد» أن تُدمَج قواتُها في جيش وطني ككتلة، لا كأفراد. هذا يُحافظ على هيكليتها الحالية ويضمن بقاء النساء في مواقع القيادة.
قوات الحكومة الجديدة ذات التوجه السني، التي كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة، قلّلت من حقوق المرأة وحريّاتها في المناطق التي سيطرت عليها قبل أن تقود تحالفاً متمرّداً أزاح نظام الأسد في ديسمبر. ومنذ ذلك الحين، أعلن بعض أعضاء حكومة الشرع أن النساء غير مؤهّلات لأدوار معينة في الجيش والقضاء.
على النقيض، تشغل النساء مناصب مهمة في المناطق التي تسيطر عليها «قسد». ينصّ عقد اجتماعي أُقرّ عام 2013 على أن المرأة يجب أن تشكّل على الأقل 40 في المئة من الممثلين في الهيئات الحكومية والمؤسسات الأخرى. كما أن اللجان الحكومية والبلدية تُدار قانونياً من رجل وامرأة معاً. ويقول سيامند علي، المتحدث باسم وحدات حماية الشعب (YPG)، وهي المجموعة الرئيسية ضمن «قسد»: «هذا واحد من الخطوط الحمر التي لا يمكن لأحد أن يغيّرها».
وقالت وزارة الإعلام السورية إن كل سوري، بغض النظر عن انتمائه الميليشياوي السابق، مرحّب به للانضمام إلى الجيش الجديد. «النساء قادرات على التقدم لصفوف الشرطة، لكن التجنيد العسكري محصور بالرجال»، حسب تصريح الوزارة.
في مقابر الحسكة، تظهر شواهد مرتّبة تحمل صوراً ملونة لمقاتلات قُتلن في عقد من القتال ضد داعش وأعداء آخرين. وفي وسط المدينة توجد لوحة جدارية لمقاتلة شابة وهي تبتسم في الصورة تُدعى آرين ميركان. قبل عقد، وجدت نفسها محاصرة على تلّة إستراتيجية في معركة ضد داعش في مدينة كوباني، وبدلاً من الاستسلام فجّرت نفسها، فقتلت عدداً من المسلحين في آخر عملية لها.
بعد بضعة أشهر، انضمت فتاة من كوباني، 28 عاماً، إلى وحدات حماية المرأة (YPJ)، واتخذت لنفسها اسم آرين جوندا تكريماً لآرين ميركان. وهذا تقليد متّبع في هذا الوحدات، حيث تعتمد الكثيرات من المقاتلات أسماء رفيقات سقطن في المعارك أو أسماء مدنٍ ذاع سيطها خلال المعارك الشرسة. وتقول جوندا: «آرين ميركان ألهمتني.. تأثّرت بشجاعتها». مثل غيرها من المقاتلات، لم تتزوج أو تُنجب. تلقت تدريباً لعدة أشهر، تعلمت الرماية باستخدام AK-47. عندما غزت تركيا والفصائل المتحالفة معها مدينة عفرين الكردية عام 2018، كانت في الصفوف الأمامية؛ وفي العام التالي قاتلت الفصائل في سرى كانيه شمال شرق سوريا. وبقية معاركها كانت ضد داعش.
تهدف وحدات حماية المرأة إلى تحرير المرأة من الأدوار التقليدية. شعارهن الرئيسي هو «جين، جيان، آزادِي» – «المرأة، الحياة، الحرية». رفضت «قسد» الإفصاح عن عدد مقاتلاتها حالياً، وذكرت أن المعلومات مصنّفة. لكن قُدّر في يونيو أن عدد مقاتلي «قسد» يصل إلى 50,000 مقاتل تقريباً، وقالت عفرين إن نحو 20 في المئة من تلك القوات من النساء.
مقاتلة أخرى تُعرف باسم كردستان كوباني، انضمت في عام 2015 بعد أن قتل داعش أكثر من 150 شخصاً في مدينتها، بمن فيهم العديد من أفراد عشيرتها. تبنّت اسم مدينتها وأصبحت خبيرة في القتال داخل المدن. قاتلت وحدتُها التنظيم الإرهابي بيتاً بيتاً في بلدة تل أبيض. في إحدى المعارك، وجدت هي وبعض رفاقها أنفسهم محاصَرين في الطابق الأول من مبنى، بينما كان داعش يطلق النار عليهم من الأعلى. فأُجبروا على الفرار عبر المدخل الخلفي للهجوم المضاد. تقول: «كان الوضع صعباً، كان يتمركزون في مواقع أفضل منا».
كثير من المقاتلات يعشن في ظل استياء من القيم التي يُروّج لها بعض زعماء سوريا الجديدة. وفي حين كانت النساء تتلقى تمكيناً في الشمال الشرقي، فرض الشرع قيوداً صارمة على حقوق النساء في إدلب في الشمال الغربي، حيث طبّقت قواته تفسيراً متشدّداً للشريعة.
«علينا إيجاد آلية لإقناعهم بتغيير ذهنيتهم»، قالت زريان أسمين، مقاتلة تبلغ من العمر 30 عاماً، وتشرف على تدريب القوات النسائية الخاصة. وأضافت: «لا نريد سوريا منقسمة».
لقد سعى الشرع إلى إظهار بوادر تحوّل. فبعد أيام من اجتماعه مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية، أُعلن دستورٌ مؤقتٌ ينصّ على حقوق المرأة وحرية التعبير لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات. ومع ذلك فإن الحكومة الانتقالية التي أعقبت ذلك الدستور ضمّت امرأة واحدة فقط بين 23 وزيراً، فيما أثبت مكتب شؤون المرأة الذي أُنشئ حديثاً تعثّره منذ البداية عندما صرّحت مديرته، عائشة الدبس، بأن النساء «غير قادرات على القيادة» من دون تدريب.
ومما عمّق حالة انعدام الثقة، تكليف حكومة دمشق أحمد إحسان فياض الهايس، المعروف باسم «أبو حاتم شقرا»، قائد الفرقة 86 في الجيش، بالإشراف على أجزاء من شمال شرق سوريا، علماً بأنه يخضع لعقوبات أميركية منذ عام 2021 بسبب اغتياله سياسيةً كردية وصلاته بتنظيم داعش.
تقول روهلات عفرين: «كل هذه إشارات سيئة.. وجود هذا الشخص في هذا المنصب رسالة بأن قوات سوريا الديمقراطية لا وجود لها، وأن المقاتلات لا وجود لهن».
تؤكّد «قسد» أنها لن تتنازل عن قيادة النساء واستقلالها، وتواصل تدريب مقاتلاتها لصدّ أي هجمات، بما في ذلك تهديدات داعش الذي يعاود الظهور.
في موقع عسكري قرب الحسكة، حملت متدرّبة شابة رشاشاً، وبعد تردّد أسقطته ثم أعادت تثبيت وقفتها. وفي المحاولة الثالثة، تماسكت وأطلقت رشقات من الرصاص وسط تشجيع زميلاتها، وهتافهن: «جين، جيان، آزادي!».
والسؤال الأهم الآن: هل ستمنح سوريا الجديدة مساحة للنساء اللواتي ضحين من أجل بنائها، أم أن الصفقة لإنهاء حربٍ ستزرغ بذور حربٍ أخرى؟