ماذا بعد محور المقاومة؟ القوة الدائمة للطائفية في الشرق الأوسط

مقال تحليلي موسّع مترجم عن فالي نصر وماريا فانتابي في Foreign Affairs يناقش مستقبل محور المقاومة في الشرق الأوسط، مبرزا تراجع التحالفات الإيرانية، واستمرار الطائفية كعامل أساسي في الصراعات الإقليمية، مع تحليل للتحديات السياسية والأمنية بعد أفول شكل المحور التقليدي.

ديسمبر 17, 2025 - 14:35
 0
ماذا بعد محور المقاومة؟ القوة الدائمة للطائفية في الشرق الأوسط

تحولات النفوذ الإيراني وحدود الطائفية في الشرق الأوسط

ترجمة وتحليل مختصر لمقال فالي نصر وماريا فانتابي مجلة Foreign Affairs

يطرح الباحث والأكاديمي فالي نصر، في مقاله المنشور في مجلة Foreign Affairs، سؤالًا محوريًا يتجاوز اللحظة السياسية الراهنة في الشرق الأوسط: هل يشير التراجع الواضح لما يُعرف بـ«محور المقاومة» إلى نهاية المشروع الإقليمي الذي قادته إيران، أم أننا أمام تحوّل في الشكل لا في الجوهر؟ ينطلق نصر من فرضية أساسية مفادها أن تفكك التحالفات العسكرية والتنظيمية لا يعني بالضرورة زوال القوى الأعمق التي صنعت هذا المحور، وفي مقدمتها الطائفية السياسية التي ما تزال تشكّل أحد المحركات الرئيسية للصراع في المنطقة

من غزو العراق إلى ولادة محور إقليمي

يعود الكاتب إلى عام 2003 بوصفه اللحظة التأسيسية التي مهّدت لظهور محور المقاومة. فالغزو الأميركي للعراق لم يؤدِ فقط إلى إسقاط نظام سياسي، بل فتح الباب أمام فراغ أمني وطائفي واسع، أتاح لإيران فرصة نادرة لتوسيع نفوذها خارج حدودها. في تلك اللحظة، لم تعتمد طهران على القوة العسكرية التقليدية بقدر ما استثمرت في بناء شبكة معقدة من العلاقات مع جماعات محلية، وميليشيات، وأحزاب سياسية، مستندة إلى رابط مذهبي وفّر لها أدوات تعبئة وتأثير طويلة الأمد.

ذروة النفوذ وحدود التمدد

خلال العقد التالي، بلغ هذا المشروع ذروة تمدده، حين بدا أن إيران باتت لاعبًا حاسمًا في عدد من العواصم العربية. العراق، سوريا، لبنان، واليمن تحولت إلى ساحات نفوذ متداخلة، يُدار بعضها بشكل مباشر، ويُدار بعضها الآخر عبر وكلاء محليين. في تلك المرحلة، ظهر محور المقاومة بوصفه تحالفًا قادرًا على فرض معادلات ردع جديدة، ومواجهة خصوم إقليميين ودوليين، مستفيدًا من ضعف الدولة الوطنية في أكثر من بلد.غير أن فالي نصر يشير إلى أن هذا التمدد، على الرغم من اتساعه، كان هشًا بطبيعته، لأنه قام على توازنات غير مستقرة، وعلى اعتماد مفرط على خطوط إمداد وتحالفات ظرفية، ما جعله عرضة للتآكل مع تغيّر الظروف.

الضربات العسكرية وبداية الانكفاء

يركز المقال على أن السنوات الأخيرة شهدت سلسلة من الضربات القاسية التي تلقاها محور المقاومة، سواء عبر العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، أو من خلال العقوبات الاقتصادية التي استهدفت إيران وحلفاءها، أو نتيجة التغيرات السياسية داخل بعض الدول المنخرطة في هذا المحور. ويعتبر نصر أن الساحة السورية مثّلت نقطة التحول الأبرز، إذ شكّلت سوريا الرابط الجغرافي والسياسي الأهم بين طهران وحلفائها، وأي خلل في هذا الرابط انعكس مباشرة على قدرة المحور على العمل كوحدة متماسكة.

بين انهيار التحالف واستمرار الظاهرة

لكن جوهر تحليل فالي نصر لا يكمن في توصيف تراجع المحور بقدر ما يكمن في التحذير من سوء فهم هذا التراجع. فالمقال يميّز بوضوح بين انهيار التحالف بوصفه كيانًا منسقًا، وبين استمرار البنية الطائفية والسياسية التي سمحت بظهوره. ويؤكد أن الطائفية السياسية في الشرق الأوسط ليست نتاج سياسات إيرانية فحسب، بل هي نتيجة تراكمات تاريخية، وانقسامات مجتمعية، وفشل متكرر في بناء دول وطنية جامعة،من هذا المنطلق، يرى الكاتب أن الحديث عن «نهاية محور المقاومة» قد يكون مضللًا إذا فُهم على أنه نهاية للصراع أو لبنية النفوذ الطائفي في المنطقة.

العلاقة السعودية‑الإيرانية: مفتاح استقرار المحور ومستقبل النفوذ

على الرغم من التنافس المستمر بين إيران والسعودية على النفوذ الإقليمي، يشير فالي نصر وماريا فانتابي إلى أن تحسن العلاقات بين القوتين الإقليميتين يمكن أن يوفر فرصًا مهمة لمستقبل محور المقاومة. فمن جانب، يمكن لهذا التقارب أن يخفض حدة التصعيد العسكري والطائفي بين وكلاء إيران وحلفاء السعودية، ما يسمح لمحور المقاومة بالتحول من مواجهة مستمرة إلى مرحلة أكثر استقرارًا نسبيًا، تركز على النفوذ السياسي بدلاً من الاعتماد الكامل على القوة العسكرية.

كما يمكن للعلاقات السعودية‑الإيرانية الإيجابية أن تعزز استقرار المجتمعات الشيعية العربية، خصوصًا في العراق ولبنان، من خلال تقليل الضغوط الطائفية المباشرة، وتمكين هذه المجتمعات من بناء مؤسسات محلية أكثر استقلالية. هذا يتيح لمحور المقاومة التكيف مع بيئة سياسية جديدة دون الاعتماد الكلي على الدعم الإيراني الخارجي.

وعلاوة على ذلك، قد يفتح التقارب بين الرياض وطهران آفاقًا دبلوماسية جديدة، بحيث يتمكن محور المقاومة من تعزيز شرعيته السياسية وحضور حلفائه الإقليميين، مع إعادة ترتيب أولويات نفوذه نحو الاستثمار السياسي والاجتماعي بدل النزاعات المسلحة المستمرة. ويخلص التحليل إلى أن أي تقدم نسبي في العلاقات بين القوتين يمكن أن يمنح محور المقاومة فرصة لتعزيز موقعه الاستراتيجي وتقوية استقراره على المدى الطويل.

ما بعد المحور: نفوذ أقل مركزية وصراعات أكثر تعقيدًا

يتوقع المقال أن المرحلة المقبلة ستشهد تحوّلًا في شكل النفوذ الإيراني، من نموذج التحالف المركزي المنسق إلى نموذج أكثر تشتتًا، تقوم فيه قوى محلية متعددة بأدوار مستقلة نسبيًا، مع استمرار الارتباط الأيديولوجي والطائفي بدرجات متفاوتة. هذا التحول، وإن قلّص قدرة إيران على التحكم المباشر، لا يعني بالضرورة تراجع مستوى العنف أو التوتر، بل قد يؤدي إلى صراعات أقل تنظيمًا وأكثر صعوبة في الاحتواء.

خلاصة: نهاية مرحلة لا نهاية صراع

يخلص فالي نصر إلى أن الشرق الأوسط يقف اليوم عند مفترق طرق، حيث تتراجع تحالفات كبرى، من دون أن تتغير جذور الأزمات التي أنتجتها. فمحور المقاومة، بوصفه تحالفًا إقليميًا واضح المعالم، قد يكون في طور الأفول، لكن البيئة السياسية والطائفية التي سمحت بظهوره لا تزال قائمة. ومن هنا، فإن ما بعد محور المقاومة لن يكون بالضرورة مرحلة استقرار، بل مرحلة انتقالية محفوفة بعدم اليقين، وصراعات بأشكال جديدة، ولكن بجذور قديمة.

فالي نصر (بالإنجليزية: Vali Nasr) هو أكاديمي ومحلل سياسي أميركي من أصل إيراني متخصص في دراسات الشرق الأوسط والسياسة الدولية.

ماريا فانتابغي (Maria Fantappie) – الباحثة والمحللة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط