حزب الله بعد عام على الحرب: ورشة ترافقها حيرة وغموض

تحليل سياسي يكتبه إبراهيم الأمين في صحيفة الأخبار يتناول تداعيات استشهاد القائد العسكري في حزب الله السيد أبو علي الطبطبائي، وضغوط التطبيع في لبنان، واستراتيجية الغموض التي يعتمدها الحزب، إضافة إلى التحديات الداخلية والانتخابات النيابية المقبلة في ظل الضغوط الأميركية – السعودية.

ديسمبر 15, 2025 - 07:27
 0
حزب الله بعد عام على الحرب: ورشة ترافقها حيرة وغموض

 كتب ابراهيم الامين في "الاخبار":

 لم يكن استشهاد القائد العسكري في المقاومة الإسلامية السيد أبو علي الطبطبائي حدثاً عادياً داخل حزب الله. والبحث في كيفية وصول العدو إليه ليس العامل الحاسم في آليات العمل القائمة، في ظل استفادة العدو من جهود كل أجهزة الاستخبارات العالمية، ما يفرض على الحزب التعايش مع المرحلة الجديدة، والأخذ في الحسبان دائماً احتمال سقوط شهداء على مستوى القادة، وليس على مستوى الأفراد فقط.

في الجانب المعلن، يواصل الحزب ضبط نفسه لعدم الانجرار إلى معركة داخلية، مدركاً أن في لبنان من يسعى إلى صرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية المتمثلة بالاحتلال. ومع ذلك، ليس مقدراً للحزب دائماً تحمّل كل الضغوط داخلياً، خصوصاً بعد أن تبين وجود قوى سياسية ومرجعية مؤثرة داخل مؤسسات الدولة تعمل على تلبية طلبات الولايات المتحدة والسعودية، مع ميل متزايد لدى حلفاء إسرائيل نحو إشهار كامل لعلاقتهم بها. وما يظهر اليوم في شكل تصرفات فردية أو متفلّتة باتجاه التطبيع مع كيان العدو، أصبح جزءاً من خطة عمل قوى تسعى، بالتعاون مع واشنطن، إلى تكريس التطبيع وحتى تعديل القوانين التي تجرّم التواصل مع العدو.

من يُظهرون استعداداً للذهاب بعيداً في مسار التطبيع ينقسمون إلى فئتين: فئة مقتنعة بما تقوم به، وأخرى تحاول إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها مستعدة لقتال حزب الله إذا تُرك لها أمر إدارة البلاد وفقاً لرؤيتها. غير أن الجديد في مقاربة هؤلاء هو اعتقادهم بأن لا وجود لمقاومة شعبية أو سياسية جدية في مواجهة هذا المسار. وهم يستندون في تقديراتهم إلى رصد ردود الفعل إزاء اتصالات واجتماعات تُعقد علناً مع ممثلي سلطات الاحتلال في الولايات المتحدة، أو إلى دفع مؤسسات إعلامية، كما يفعل أنطون الصحناوي، لاستضافة مسؤولين إسرائيليين. وبناءً عليه، يخلصون إلى أن ما يقومون به لن يواجه بردٍّ فعلي، ما يدفعهم إلى رفع مستوى خطواتهم الهادفة إلى تحويل التطبيع إلى أمر واقع في الوعي العام.

هذا الأمر يفرض تحديات كبيرة أمام حزب الله، لكنها لا تقع على عاتقه وحده، بل تشمل كل من يؤمن فعلياً بفكرة مقاومة الاحتلال والتصدي للتطبيع. ومع الأسف، لا تظهر مؤشرات على وجود حراك سياسي فاعل في هذا السياق. في المقابل، يعيش القضاء أزمته التاريخية، إذ يظل خاضعاً لنفوذ السلطة السياسية، وهي في أيامنا هذه لا تبدو مدركة للخطورة الفعلية التي تنطوي عليها عملية التطبيع.
لكن حقيقة ما يواجهه لبنان من الخارج لا تتصل تماماً بما يقوم به العدو داخلياً، والذي قد يولي اهتماماً للنشاط السياسي اللبناني، لكنه يركز بصورة دائمة على المقاومة وقياداتها وعناصرها.

إذ يمتلك العدو برامج أمنية متطورة جداً، وهدفه ليس فقط رصد ما يقوم به حزب الله منذ توقف الحرب، بل أكثر من ذلك، متابعة ما يفكر فيه الحزب بالنسبة إلى المرحلة المقبلة. وانعدام اليقين في هذه الحالة ليس أمراً بسيطاً. فكل من لديه صلات بقيادات حزب الله يعرف أنه منذ شهور طويلة لم يعد بالإمكان الحصول على أجوبة وافية أو معلومات جدية حول أنشطة الحزب بعد الحرب. ويمكن القول براحة إنّ من الصعب تصديق أي رواية يقدمها أي إعلامي في لبنان عما يقوم به الحزب. ولا يتعلق الأمر بمصداقية هذا الإعلامي أو غيره، ولا بمستوى علاقاته مع الحزب وقياداته، بل يرتبط بقدر كبير جداً من التكتم. وعندما تصل إسرائيل إلى قائد كبير كالشهيد الطبطبائي، فهذا لا يعني أن الأمور مكشوفة إلى الحد الذي يجعل الإعلاميين والسياسيين قادرين على معرفة ما يجري.

لكن السياق العام للمواجهة يضع الحزب تحت ضغطٍ نفسيٍّ واضح. فنجاح العدو في توجيه ضربات قاسية خلال العامين الماضيين، وعدم إعلان الحزب نتائج التحقيقات التي يجريها، يسهمان في تعميق السردية التي يسعى العدو إلى تكريسها، ومفادها أنه الطرف المتحكم بمجريات الأمور.

ومع ذلك، يدرك الجميع، من دون الحاجة إلى معلومات تفصيلية، أن تغيير المعادلة لا يتم بالكلام ولا بالوعود، بل من خلال فعلٍ عمليٍّ يفرض على العدو التراجع عن سياساته العدوانية القائمة. ومن هنا، تعتبر إسرائيل نفسها معنية ليس فقط بعرقلة جهود المقاومة لإعادة بناء قدراتها، بل أيضاً بالاحتفاظ الدائم بقدرة المبادرة والمباغتة.

في المقابل، تبدو دائرة الصمت داخل حزب الله آخذة في الاتساع، وانتقل في المرحلة الحالية من الغموض العام إلى الغموض التام. وإذا كان هذا الأمر قائماً بالفعل، فإنه سيعقّد الأمور على العدو أكثر، لكنه في الوقت نفسه يزيد الضغط على الناس، خصوصاً أن قواعد الحزب تدرك أن استعادة التوازن لا تتحقق من دون ردع العدو، لكنها تشعر في الوقت نفسه بأن الضغط الداخلي يتصاعد يوماً بعد يوم، ما بات يستدعي معالجة عاجلة.

لكن من المفيد أن نعرف أنه ليس من المنطقي توقع حدوث انقلاب كبير في توجهات حزب الله الداخلية. ولتوضيح ذلك، يمكن النظر إلى ملف الحكومة، فالحزب لا يرى الحكومة في موقع الحليف أو المساعد، بل غالباً في موقع الخصم أو المضرّ. ومع ذلك، فإن هذا لا يدفعه إلى ترك الحكومة في الوقت الحالي، وهو أمر له أسبابه الكثيرة ونتائجه الكبيرة، خصوصاً مع اقتراب مرحلة القرار النهائي بشأن إجراء الانتخابات النيابية من عدمها في أيار المقبل، وهو استحقاق سيشكّل مناسبة للكشف عن واقع التحالفات التي سيقيمها حزب الله مع مختلف القوى والشخصيات السياسية.

والتحدي الداخلي المرتبط بالانتخابات كبير، إذ يزداد الضغط الأميركي - السعودي يوماً بعد يوم، بهدف منع أي شخصية قادرة على التحالف أو التعاون انتخابياً مع حزب الله من ذلك. ويتركز هذا الضغط حالياً على شخصيات شيعية مرتبطة بالرئيس نبيه بري أيضاً، ما يزيد من الحيرة حول الخيارات التي يمكن للحزب اتخاذها. صحيح أن حزب الله يعلم أن شعبيته المباشرة غير قابلة للنقض، ولا يشعر بأي خشية في ما يتعلق بالمقاعد النيابية المخصصة له، إلا أن الحيرة الحالية ترتبط بعدم تقديم الحزب حتى الآن ورقة عمل جديدة توضح توجهه في الملف الداخلي، وتقدم إجابة شاملة حول نظرته إلى المجلس النيابي المقبل.