عندما كادت القنابل الموقوتة تنفجر
تصاعد التوتر في لبنان بعد مسيرات حاشدة نظمها مناصرو أحمد الشرع احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وما رافقها من فوضى وصدامات مع الجيش. تقرير يكشف مخاطر الانتشار السوري، الهواجس الأمنية، ودلالات التوازي بين التحرّكات الداخلية والغارات الإسرائيلية.
كتب عماد مرمل في "الجمهورية":
لم تمُرّ الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد وتولّي أحمد الشرع السلطة في سوريا، بسلاسة وهدوء في لبنان المرهف الحساسية، إذ نظّم مناصرو الشرع مسيرات حاشدة بالدراجات النارية احتفالاً بالمناسبة، تخلّلتها اضطرابات ومواجهات مع الجيش، ما دفع إلى طرح تساؤلات عدة حول ملابسات ما حصل ودلالاته.
خرجت احتفالات السوريِّين في عدد من المناطق اللبنانية عن الإطار السلمي والضوابط القانونية، إذ تسبَّبت في «نقزة» لدى عدد من الأوساط السياسية والشعبية، وأيقظت هواجس قديمة ومتجدِّدة حيال تداعيات النزوح السوري على الاستقرار اللبناني الهش.
ولعلّ التحرّكات الواسعة التي جرت في عدد من المناطق خلال وقت واحد تقريباً، كشفت عن عيّنة من «القنابل الموقوتة» المزروعة ضمن خريطة انتشار النازحين السوريِّين في العمق اللبناني، التي لطالما تمّ التحذير من احتمال انفجارها على نحو مباغت في أي لحظة.
وإذا كان أنصار الشرع قد تحرّكوا بهذا الحجم والاتساع، من دون علم مسبق من أحد في الدولة اللبنانية، إحياءً لمناسبة يُفترض أنّها احتفالية وسلمية، فماذا لو تقرَّر في مرّة أخرى تحريكهم لخدمة مصالح خارجية، أو لإيصال رسائل سياسية وأمنية، ومَن يستطيع عندها أن يضمَن بقاء الأمور تحت السيطرة؟
ويلفت مواكبون لاستعراض القوّة الذي نفّذه السوريّون على الطرق، إلى أنّه تبيّن بالعين المجرّدة أنّ النظام السوري الجديد يملك داخل لبنان ورقة مؤثرة، قد يستخدمها كلّما دعت الحاجة، في عملية الضغط على الدولة اللبنانية، خصوصاً في ما يتصل بملف الموقوفين السوريِّين والإسلاميِّين والملفات الأخرى العالقة بين البلدَين.
ويَعتبر هؤلاء، أنّ على الدولة أن تأخذ درساً ممّا حدث، وأن تلتقط جرس الإنذار الذي رنّ بقوّة، بُغية تفادي الأسوأ في المستقبل والاحتساب لكل الإحتمالات، إذ ربما لا تسلم الجرّة دائماً، وقد لا يمرّ كل «قطوع» على خير.
وهناك أيضاً مَن توقف عند ترافق تحرّكات السوريِّين وما واكبها من مظاهر فوضى وتوتر، مع شنّ الطائرات الإسرائيلية غارات عنيفة على إقليم التفاح في التوقيت عينه، الأمر الذي من شأنه أن يوحي بأنّ فرضية الإطباق على لبنان في لحظة ما عبر فكَّي كمّاشة، ليست بالضرورة مستبعدة ولا يجب إغفالها من الحسابات.
وتُفيد المعلومات، أنّ معظم الأجهزة الأمنية فوجئت بحجم التحرُّك السوري الذي حصل في الشوارع اللبنانية، إذ قُدِّر عدد الدراجات النارية التي جالت في منطقتَي الطريق الجديدة وكورنيش المزرعة وحدهما بنحو 500 دراجة.
وكشفت مصادر أمنية، أنّ المتظاهرين كانوا في أكثريّتهم من السوريِّين، بالإضافة إلى بعض الفلسطينيِّين واللبنانيِّين. موضّحةً أنّ الجيش اضطرّ إلى التعاطي معهم بحزم وتفريقهم بالقوّة في أكثر من منطقة، بُغية ضبط الموقف وردع المشاغبين والمَوتورين سريعاً، منعاً لانفلات الأمور والإنزلاق إلى فتنة لا تُحمَد عقباها، خصوصاً أنّه سُجِّلت صدامات متفرّقة بين السوريِّين المناصرين للشرع وبعض مناصري «حزب الله» وحركة «أمل» في عدد من الأماكن، بالتالي كان هناك تخوُّف من تفاقم الوضع ووقوع مواجهة واسعة، تحت وطأة الإحتقان الكبير في الشارع.
وعُلِم أنّ الجيش سلّم إلى الأمن العام 13 معتقلاً سوريّاً لترحيلهم إلى بلادهم بسبب مخالفتهم القوانين، فيما شكّلت التظاهرات والمسيرات فرصة إضافية لانتعاش جماعات إسلامية متشدّدة في صيدا وطرابلس، وجدت في سلطة الشرع رئة للتنفّس مجدّداً.
يبقى أنّ ما جرى يجب أن يخضع إلى مراجعة متأنّية من المستويات السياسية والأمنية في الدولة، وعدم الإستهتار بما حمله من مؤشرات غير مطمئنة. والأهم أنّ الفوضى التي حصلت ينبغي أن تُشكِّل حافزاً للتعجيل في تفعيل مسار إعادة النازحين قبل فوات الأوان.


