نهاية لبنان... نهاية "إسرائيل"

تحليل سياسي عميق يقدّمه نبيه البرجي حول أزمة الهوية في لبنان، وعبثية الانتخابات النيابية، وتفاقم الطائفية، ودور الخارج في صياغة المشهد اللبناني. يناقش المقال القانون الانتخابي، واقع الطبقة السياسية، تأثير الإقليم والغرب، ومخاطر الحرب مع إسرائيل، في قراءة سوداوية لمستقبل الدولة اللبنانية.

ديسمبر 10, 2025 - 08:13
 0
نهاية لبنان... نهاية "إسرائيل"

 كتب نبيه البرجي في "الديار":

 ما جدوى الانتخابات النيابية في لبنان ما دامت تكرس على مدى عقود، ذلك الستاتيكو اياه، بالوجوه الكثيرة التي اعتراها الصدأ، ودون أن ندري لماذا تستبقى على مقاعدها، مع أنها أقرب الى العناكب، وحتى بدبيبها على الأرض، لنستذكر بعض نجوم ساحة النجمة مثل نصري المعلوف وبهيج تقي الدين وحسن الرفاعي وأوغيست باخوس، لتخلو الساحة السياسية من رجال مثل فؤاد شهاب أو كميل شمعون أو ريمون اده، أو رجال مثل صائب سلام ورشيد كرامي وسليم الحص ورفيق الحريري...

للمثال، ماذا يعني أن يزيد سمير جعجع عدد أعضاء كتلته على حساب قيادات مسيحية أخرى، الا اذا كان هجومه على الرئيس نبيه بري مؤشرأ على اعتزامه تنفيذ انقلاب تحت قبة البرلمان، باختراق البلوك الشيعي بنائب بمواصفات غوار الطوشي لرئاسة المجلس النيابي. المشكلة الأساس في ذلك القانون الانتخابي، الذي قلب نظرية تشارلز داروين رأساً على عقب، وحيث الحلقة المفقودة (ولم تعد مفقودة) بتحول الكائنات البشرية الى قردة، وعندما تتحول صناديق الاقتراع الى قبور لدفن أصوات الناس، وكذلك لدفن أرواح الناس!

قانون يرسخ الثقافة الطائفية بأبشع صورها، في الظروف الأكثر بشاعة التي شهدتها البلاد ليس فقط منذ الاستقلال، وانما من لحظة اعلان الجنرال هنري غورو من قصر الصنوبر، وكان كعبتنا المقدسة قبل السفارة في عوكر، قيام "دولة لبنان الكبير" دون أن يكون مقتنعاً بـ"صفقة فرساي" بين رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو والبطريرك الياس الحويك، فكان أن اعلن عزمه انشاء فيديرالية تجمع بين الدولة الوليدة، والدويلات الطائفية التي استحدثها في سوريا، لولا صرخة البطريرك في وجهه وتهديده بالثورة.

الآن من يمنع الحاقنا بسوريا، ما دام البيت الأبيض يريد ذلك، وقد لاحظنا في بعض المدن اللبنانية الاحتفالات العارمة بذكر استيلاء الاسلام القوقازي، أو الاسلام الأميركي (أو التركي) على السلطة فيها. في هذا السياق نعود الى وثيقة الطائف التي انبثق منها الدستور الحالي، كمدخل الى اقامة دولة تخلو من الوباء الطائقي (المادة 95 ). العكس تماما هو الذي حدث بارساء الطائفية كقاعدة فلسفية أو ايديولوجية، للدولة التي باتت على شاكلة دوقيات القرن الثامن عشر.

كيف لهذا المشهد الطائفي، وحيث تتجلى نظرية الانكليزي توماس هوبز "الجميع ذئاب الجميع"، أن تفضي الى بلورة الهوية اللبنانية. هنا الأزمة الكبرى، دولة تحدق بها كل تلك الأهوال من دون هوية، لتتناسل الأزمات تلو الأزمات بانتظار "الانزال الديبلوماسي"، أكان اقليمياً أو دولياً، لنصل الى ذلك ذلك العنوان الدرامي "دولة تحت وصاية الأشباح". وعلى هذا الاساس، تبدو الانتخابات النيابية وكأنها صراع الأحصنة الخشبية، على من يتستأثر أكثر بما تبقى من مغارة علي بابا، وقد تحولت الطوائف بما تعنيه الكلمة الى مافيات، لا شك أنها تفوقت في أساليبها على أساليب مافيات صقلية...

انتخابات نيابية تجسد اللحظات الأكثر درامية في الكوميديا السوداء، وحيث يجري التعليب الطائفي للناخبين كما تعليب الأسماك الباردة، لا برامج ولا أوراق عمل ولا رؤية سياسية. باختصار دولة في القرن العشرين، دون أي استراتيجية سياسية أو اقتصادية أو مالية أو اجتماعية. هل هي دولة حقاً حين نكون موزعين هكذا فريق مع سوريا، بتلك الشعارات الاسلامية المروعة التي ظهرت في تظاهرات أول أمس، وفريق يعتبر أن الخلاص في مد اليد الى "الحاخامات"، باعتبارهم يمسكون بمفاتيح القوة في العالم، بعدما انكفأت ايران جيوسياسيا على ذلك النحو التراجيدي، حتى لينقل عن سفير بريطاني قوله "قلما تعثر على اللبنانيين في لبنان".

ما يجمعنا أننا تقبلنا مثل غيرنا من الدول العربية، الدخول في الحرملك الأميركي. احد الساسة سأل مورغان أورتاغوس اذا كانت ترغب في الزواج من لبناني، ردت ضاحكة "لكنكم جميعاً هنا أميركيون"... لكن المبعوث الأميركي الآخر توم براك، وهو ابن زحلة، يريد الحاق لبنان بـ"بلاد الشام"، التي لا بد أن تمضي الى التطبيع تحت طائلة ازالة السلطة الجديدة، اذا لم يكن عام 2026 عام السلام الشامل بين دمشق و"تل أبيب".

ولكن هل حقاً أن العالم ضاق ذرعاً بالسياسات الهيستيرية لبنيامين نتنياهو وصحبه، بعدما مضى بعيداً في لعبة الدم؟ أي جدوى لذلك، ما دامت الامدادات العسكرية الأميركية لا تزال على وتيرتها، والتي لولاها لرأينا الرايات البيضاء ترفرف في ساحة رابين (وكانت تعرف بساحة "ملوك اسرائيل") في "تل أبيب". المؤرخ الاسرائيلي واستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد آفي شلايم، قال تعليقاً على تحول لوثة الدم الى خط ايديولوجي للدولة "لقد سقطنا كيهود من يدي الله". متى يسقطون من يدي دونالد ترامب؟

أكثر من ذلك اذا كانت "حربنا ضد غزة استغرقت سنتين وادت الى ذلك التوتر السياسي والعسكري والاقتصادي، وحتى التوتر الوجودي، الى أين يمكن أن تفضي بنا الحرب ضد لبنان بالتضاريس الطبيعية الشديدة التعقيد؟ قد تؤدي الى نهاية لبنان، لكنها حتماً تؤدي الى نهاية "اسرائيل"، وهذا ليس رأيي فقط وانما أيضاً رأى أعضاء في هيئة الأركان"...

هل يدخل هذا الكلام في رأس بنيامين نتنياهو؟ يائير لابيد قال "هذا رأس يفترض أن يسقط"...!!!