كلّ الفاسدين جاؤوا يعزّون بك يا زياد

خبر من Goodpresslb

نوفمبر 2, 2025 - 21:58
 0
لو كان لزياد الرحباني، أن يبصر من فوق، حيث هو الآن، بالقرب من "صديقه" اللّه، وفود الفاسدين من أهل السلطة والسياسة، يتقاطرون للتعزية به، لكان نزل للفور وأعلن توبته عن هذا الموت "الرحيم"، وقال لهم بسخريته المعهودة: يا جماعة عودوا على أعقابكم، أنا لم أمت. لا أحد يخال كم أنّ زياد متألّم هناك، حزين، غاضب، ولكن بصمت. فهو لم يكن ليتخيّل أن يحصل هذا "البازار" السياسي والإعلامي باسمه، مخالِفًا مبادئه ومواقفه وأفكاره، التي كرّس لها كلّ حياته وفنّه. ولعلّه نادم جدًّا الآن على كونه لم يكتب وصيّة، يطلب فيها أن تقام له جنازة صغيرة جدًّا، بعيدًا من الإعلام والكاميرات، ومقصورة على كاهن واحد، وعلى أمّه وشقيقته ريما، فقط، في كنيسة فقيرة وبعيدة. كلّ الفاسدين و "النصّابين" الذين أمضى زياد حياته ينتقدهم ويتّهمهم ويفضحهم ويسخر منهم، في مسرحه وبرامجه الإذاعية وأغنياته، وفدوا صفوفًا، ليلقوا تحيّة العزاء على السيدة فيروز والشقيقة ريما. بعضهم من "خرّيجي" السجن، وبعضهم يجب أن يدخل السجن، وبعضهم من أصحاب الفضائح السياسية والمالية و "اللصوصيّة"، بعضهم ملوَّثو الأيدي بالدم البريء والمال الأسود و "المبيَّض"، بعضهم "محسوبون" على الخارج، القريب والبعيد... كلّ هؤلاء ما كان زياد ليصافحهم يومًا، أو يبتسم لهم أو يرحّب بهم، هو الذي عاش حتى الرمق الأخير، نبيلًا وفقيرًا وملتزمًا ومثاليًّا... رغم بعض "التخبيص" السياسي الذي وقع فيه خلال السنوات التي أصابه فيها المرض النفسي الشديد، أو "الدبرسيون"، فكان يغيب ثم يطلّ، وقد أصيب بحال من "الشلل" الإبداعي والعجز عن التأليف والعزف... وهذا "التخبيص" والتناقض، ما كان أحد ليأخذهما عليه، وليعاديه إزاءهما، هو النظيف القلب والنيّات واليدَين. مرّة أعلن زياد نقده حزبًا معروفًا وقرّر السفر علنًا إلى روسيا، ثمّ عاد وأيّد الحزب نفسه ولكن عبثًا. وعندما هاجم زياد الثورة السورية – هو الثوريّ بامتياز - ومدح الدكتاتور بشار الأسد، كان قد نسي أنّ النظام الدكتاتوري السوريّ (هو نفسه) قرّر اغتياله في العام 1976 بعدما كال له التهم والكلام النقدي اللاذع والساخر، وغنّى أغنيته الشهيرة: "اختلط الحابل بالنابل.../ حافظ غيّر فكرو وصار / جيشو ع جونيه نازل". حينذاك اضطرّت السيّدة فيروز إلى زيارة "الرئيس" حافظ الأسد، طالبةً منه إزالة خطر التهديد حيال زياد، ووعدها وكان. وكانت المرة الأولى والأخيرة التي تزور فيها فيروز رئيس جمهورية أو دولة. "خبّص" زياد في السياسة، لكنّ هذا "التخبيص"مغفور له، فهو ليس من طبيعته، الطبيعة النقية والصافية والبريئة. كلّ النصّابين جاؤوا يعزّون بزياد، ويمرّون أمام كاميرات التلفزيونات، مغتنمين الفرصة، ليطلّوا ويصرّحوا، ومعظمهم لا يستمع إلى زياد ولا يعرفه، ومنهم من يكرهه ويحقد عليه، بلا شكّ. ولو لم تكن هناك كاميرات لما كانوا جاؤوا، ولا خطر لهم أن يصعدوا إلى بكفيّا والمحيدثة، قرية طفولة زياد. وما يقال عن هؤلاء "النصّابين" في السياسة، يمكن قوله عن "نصّابي" و "نصّابات" الفن والغناء والإعلام الرخيص، الذين لطالما غاروا من زياد (وخصوصًا من الكبيرة فيروز) وكرهوه، لا سيّما عندما كان يسخر منهم علانيّة، ويهزأ من أعمالهم الرخيصة، وأميّتهم وجهلهم. ولكن هنا، لا يمكن الإغضاء عن "جمهور" زياد، جمهوره الكبير الذي بحجم وطن، عن الأصدقاء والرفاق، عن المحبّين الحقيقيّين والأوفياء، القدامى والجدد، عن الشبان والشابات الذين نشأوا على أغانيه وردّدوها، والذين علّقوا صوره في غرفهم وقلوبهم. هؤلاء، على اختلاف نزعاتهم ومشاربهم وأعمارهم، شيّعوه من "مستشفى خوري" في الحمراء، شارع زياد وبيته ومحترفه الموسيقي، بكوه وهتفوا باسمه ورشّوا تابوته بالورود والأرزّ، ثم وفدوا إلى "كنيسة السيدة" في المحيدثة وشاركوا في العزاء. هؤلاء هم "الزياديون" بحقّ و "الفيروزيّون" بحق، هؤلاء هم الذين كان زياد يرتاح إليهم ويخاطبهم ويبادلهم مشاعره وموسيقاه وأغنياته.