من تسليم السلاح إلى استراتيجية أمن وطني: خيار المقاومة في ميثاق الأمم المتحدة

خبر من Goodpresslb

نوفمبر 2, 2025 - 22:34
 0
كتب محمد قاسم| في كل مرة يُفتح فيها النقاش حول سلاح المقاومة في لبنان، يُطرح السؤال وكأنّه معضلة وجودية: هل نسلم السلاح ونكتفي بجيش رسمي محدود الإمكانات في مواجهة التهديد الإسرائيلي، أم نبتكر صيغة وطنية تحفظ للبنان قوته الرادعة وتدمج المقاومة ضمن استراتيجية دفاعية متكاملة؟ الطرح الأول – تسليم السلاح – هو أقصر الطرق إلى تفكيك ما تبقى من عناصر القوة الوطنية. إذ أن إسرائيل، التي لا تخفي أطماعها في المياه والغاز والحدود، لا تزال تخرق الأجواء اللبنانية يومياً، وتتحيّن الفرص لفرض وقائع جديدة. مجرد الحديث عن نزع سلاح المقاومة بمعزل عن منظومة ردع بديلة، إنما يعني ببساطة وضع لبنان أعزل أمام عدو تاريخي لا يرحم. أما الطرح الثاني، وهو ما يدافع عنه الثنائي الشيعي، فينطلق من مبدأ أوسع: أن السلاح ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لحماية لبنان. بالتالي، يصبح المنطقي تحويل النقاش من "حصر السلاح" إلى "صياغة استراتيجية أمن وطني" تستند إلى الميثاق الأممي الذي يكرّس حق الشعوب في الدفاع عن النفس (المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة). استراتيجية لا ميليشيا حين يصرّ البعض على توصيف المقاومة بالميليشيا، فإنهم يتجاهلون الفارق الجوهري: الميليشيا تقاتل لحساب مشروع داخلي، بينما المقاومة في لبنان أثبتت أنها قوة تحرير وردع ضمن مشروع وطني جامع.   منذ تحرير الجنوب عام 2000، مروراً بردع العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، وصولاً إلى فرض المعادلة في ملف الغاز البحري عام 2022، أثبتت المقاومة أن سلاحها لم يُستخدم إلا لحماية لبنان ومنع العدو من فرض شروطه. واليوم، ومع معركة غزة، يخوض حزب الله ما يمكن تسميته "حرب الإسناد": جبهة مساندة تُترجم بالدم والنار واجباً أخلاقياً حين تخلّى العالم كله عن غزة. ورغم أن لبنان التزم بقرار وقف إطلاق النار وفقاً للقرارات الدولية، فإن العدو الإسرائيلي تجاوز ذلك بوقاحة، إذ تخطّى عدد اعتداءاته على لبنان منذ بداية الحرب أكثر من 4000 اعتداء، ما يكشف أن الحديث عن نزع سلاح المقاومة ليس إلا محاولة لترك لبنان مكشوفاً بلا حماية في مواجهة عدو لا يعترف لا بقرارات أمم متحدة ولا باتفاقات دولية. الأمن الوطني كحق سيادي الميثاق الأممي لا يلزم الدول الصغيرة بالتخلي عن عناصر قوتها، بل العكس: يعطيها الشرعية في بناء منظومات دفاع غير تقليدية إذا كان أمنها مهدداً. لبنان ليس دولة عظمى، لكنه محاط بتهديدات وجودية: إسرائيل جنوباً، الإرهاب التكفيري في فترات سابقة شرقاً، وضغوط سياسية واقتصادية غربية. كل ذلك يفرض أن تكون المعادلة الذهبية (الجيش – الشعب – المقاومة) خياراً سيادياً، لا عبئاً. الثنائي الشيعي: منطق الدولة لا الفوضى الذين يروّجون لفكرة أن سلاح حزب الله هو معيق لقيام الدولة، يتناسون أن هذا السلاح كان – وما زال – صمام أمان لبقاء الدولة نفسها. لو لم تقم المقاومة بواجبها في الدفاع، لكانت إسرائيل احتلت الجنوب مجدداً. ولو لم تنخرط في مواجهة الإرهاب، لكان "داعش" قد استباح بيروت والبقاع. واليوم، لو لم تُفتح جبهة الإسناد، لكانت غزة تُباد في صمت كامل. من هنا، فإن دعوة الثنائي الشيعي إلى صياغة استراتيجية أمن وطني ليست خروجاً على الدولة، بل إعادة بناء لها على أسس متينة، تجمع بين الردع العسكري والالتزام الأخلاقي. الخاتمة: سلاح الشرعية في وجه شرعية السلاح الجدل الحقيقي ليس بين "دولة بلا سلاح" أو "سلاح بلا دولة"، بل بين من يريد لبنان قوياً محمياً وفاعلاً في قضايا الأمة، ومن يريد لبنان ضعيفاً مرتهناً. الخيار الأول يتمثل في دمج المقاومة ضمن استراتيجية وطنية دفاعية معترف بها في القانون الدولي، تشمل واجب الإسناد الأخلاقي لغزة. أما الخيار الثاني، فيعني تسليم البلد إلى رحمة العدو. وما تقرر بالأمس في مجلس الوزراء، وفي خاتمة بيانه، من اعتماد استراتيجية أمن وطني تقوم على حق الدفاع ضمن ميثاق الأمم المتحدة، ليس جديداً على الإطلاق. هو بالضبط ما كان الرئيس نبيه بري قد طرحه منذ ما قبل جلسة 5 آب، ولو أُقر في حينه لوفّر على لبنان الكثير من التوتر والاحتقان. لكن، وكما هي عادته، جاءت "إبرة" الرئيس بري لتحيك المخرج للحكومة، على أمل أن تبقى آذان المسؤولين تستمع إلى اللغة العربية اللبنانية التي لا تترجم إلا سيادة، ولا تقول إلا وحدة، ولا تفهم إلا منطق الدولة القوية العادلة.