بيروت – تحقيق وتصوير :هناء بلال
على حافة أحد الارصفة في أسواق بيروت يجلس رجل أربعيني يحمل كيسا مليئا بالسكاكر و الحلويات، يقترب منه ابنه الصغير يمد يده اليه ليناوله كيس “الشيبس” قبل أن يواصل جولته باللعب على دراجته الهوائية .
على الضفة المقابلة في الباحة الواسعة تسير فتاة انيقة ترافقها كلبتها تلاعبها بخفة ومرح، و على الجهة المقابلة حيث واجهات المحال اللامعة تتهادى سيدات بأناقة واضحة ..تعبق روائح العطور الفاخرة من حولهن ويتأنين في اختبار أثوابهن من متاجر ZARA وغيرها من الماركات العالمية بحثا عن أجمل القطع و أكثرها رقيا.
بعد سنوات من الصمت والركود التي فرضتها الأزمات الاقتصادية والسياسية، استعادت أسواق بيروت في وسط العاصمة حيويتها تدريجيًا، لتعود الحياة إلى أحد أبرز معالم لبنان التجارية والسياحية، في مشهد يعيد الأمل إلى قلب المدينة المنهك.فنادق لبنان
تشهد المنطقة اليوم انتعاشًا ملحوظًا في الحركة التجارية والسياحية، إذ أعلنت شركة «سوليدير» عن إعادة فتح أكثر من 60 متجرًا ضمن مجمع “Beirut Souks”، مع خطط لتوسيع النشاط خلال العام المقبل ليشمل أكثر من 100 متجر ومطعم ومقهى.
تتنوع العلامات التجارية العائدة بين محلية وعالمية، منها Zara، Bershka، Stradivarius، Massimo Dutti، Nike، Pandora، Swarovski، إلى جانب صالات السينما والمطاعم والمقاهي التي بدأت تستقطب روادها من جديد، ما أعاد إلى المنطقة أجواء الحياة التي افتقدتها لسنوات.
تتميّز أسواق بيروت بتصميمها الذي يمزج بين الطابع التراثي اللبناني والهندسة الحديثة، من توقيع المعماري الإسباني الشهير رافاييل مونيو، وتشمل ممرات مفتوحة وساحات ومعارض أثرية تعود إلى الحقبتين الرومانية والبيزنطية، ما يجعلها وجهة فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة.
[caption id="attachment_96938" align="alignnone" width="274"] جولة في Beirut Souks الطبقة الميسورة تحرّك العجلة و المتوسطة ” اللي ما يشتري يتفرج “[/caption]
ورغم هذا الحراك الإيجابي، ما زالت التحديات قائمة، أبرزها ارتفاع الإيجارات وتكاليف التشغيل، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين. ومع ذلك، يؤكد أصحاب المحلات أن العودة التدريجية تبعث على التفاؤل، وأن وسط بيروت بدأ يستعيد مكانته كوجهة تسوق وترفيه مميزة في لبنان والمنطقة.
تبدو أسواق بيروت اليوم وكأنها تستعيد أنفاسها بعد اعوام من الصمت و الركود . وازدحام المارة وتنوع الوجوه يعكسان حكاية مدينة تحاول النهوض من جديد غير ان المراقب لا يغفل عن الفارق الطبقي الواضح بين من يرتاد هذه المحال الآن ومن كانوا يجوبونها قبل الاغلاق .
الأسعار ارتفعت و البضائع اختلفت بعضها موجهة أكثر الى الطبقات الميسورة في حين يقف اخرون على الهامش يراقبون المشهد بصمت بين حنين الى زمن مضى و أمل بفرصة حياة جديدة.
من اللافت أيضًا أن الطبقة الاجتماعية التي ترتاد الأسواق اليوم تختلف عمّا كانت عليه قبل الإغلاق، إذ أصبحت أسواق بيروت وجهة أساسية للطبقة الميسورة من اللبنانيين والمقيمين والسياح، في وقت تراجعت فيه قدرة الطبقة المتوسطة فالكثير من العائلات تتجول داخل المحال لمجرد التسلية و الاطلاع على المحال الجديدة وتمضية الوقت، و معرفة الأسعار .
كما تغيّر طابع المعروضات والأسعار داخل المتاجر، لتتجه نحو السلع الفاخرة والمنتجات الراقية، ما يجعلها بعيدة عن متناول معظم الزوار . وبينما ارتفعت الجودة والخدمات بشكل واضح، يرى البعض أن الأسعار تعكس واقعًا طبقيًا جديدًا في قلب العاصمة.
وهكذا، بعد أعوام من الركود، تعود أسواق بيروت لتكتب فصلاً جديدًا في قصة العاصمة التي لا تنام، التي تجمع في صخبها كل التناقضات..