ترامب - نتنياهو «بازار» الجبهات المفتوحة

تحليل سياسي معمّق لزيارة بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة ولقائه دونالد ترامب، يسلّط الضوء على التباينات الأميركية – الإسرائيلية حول غزة وإيران، وحدود التصعيد والتسوية في ملفات الإقليم، من فلسطين إلى لبنان وسوريا واليمن.

ديسمبر 30, 2025 - 07:50
 0
ترامب - نتنياهو «بازار» الجبهات المفتوحة

 كتب يحيى دبوق في "الأخبار":

 تأتي زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للولايات المتحدة، ولقاؤه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وكبار مسؤولي إدارته، في ظلّ تفاوت واضح بين رؤيتَي الطرفَين لكيفية «حلّ» أزمات المنطقة، ومواجهة التحدّيات المحيطة بإسرائيل والمصالح الأميركية في الإقليم. فمن جهته، يفضّل ترامب الظهور بمظهر الزعيم الناجح الذي تمكّن - وفقاً لِما يردّده - من إنهاء عدّة حروب، حتى وإنْ جزئيّاً أو مؤقّتاً، في حين يرى نتنياهو أن مصلحته، ومصلحة كيانه، تكمنان في إبقاء الوضع على حاله: لا حرب شاملة تهدّد أمن إسرائيل، ولا تسويات حقيقية على الأرض، وذلك في انتظار متغيّرات تمكّنه لاحقاً من استئناف سعيه نحو «الانتصار الكامل» في غزة وخارجها.

الزيارة، من منظور نتنياهو، ليست بالضرورة فرصةً لتنسيق المواقف أو دفع ملفّات إلى الأمام، بل هي محاولة لإقناع ترامب بعدم الضغط عليه لتقديم «تنازلات» من شأنها فرملة مسار «الانتصارات الكاملة». فالمطلوب، من جانب نتنياهو، هو التريّث وتأجيل القرارات المصيرية، والتمسُّك، ولو مؤقّتاً، بالوضع الراهن، وإنْ كان رئيس حكومة الاحتلال مستعدّاً، تحت الضغط، لتقديم تنازلات شكلية، هي في الواقع سمة ثابتة في مواقفه منذ بدء الحرب على قطاع غزة؛ وعلى أساسها يمكن فهم ما يُعلن من «نجاحات» عقب الزيارة، وما سيُترك في الغرف المُغلقة من مواقف متعارضة أو متباينة.

وعلى أي حال، صار واضحاً أن «المرحلة الثانية» من خطّة وقف الحرب في غزة - التي تُعدّ من أبرز ملفّات الزيارة -، تتحوّل تدريجيّاً من مرحلة «طموحة»، كما أُعلن عنها في البداية، إلى مرحلة مليئة بالثغرات التي ستؤدّي إلى إفراغها من جوهرها: فلا قوات دولية جاهزة أو قادرة على فرض سيطرة فعلية على القطاع؛ ولا آلية معتدّاً بها وقابلة للتنفيذ لـ»نزع سلاح حماس» أو منع إعادة تسليحها؛ ولا إعادة إعمار حقيقية كون هذا المشروع مرفوضاً إسرائيليّاً باعتباره يهدّد الخطة الاستراتيجية غير الخافية، المتمثّلة في إنهاء غزة ككيان، وكوجود فلسطيني.

وفي هذا الوقت، تتراجع مواقف الإدارة الأميركية، وتتقلّص طموحاتها يوماً بعد آخر، في حين يبدو أنها لم تَعُد تمتلك الرغبة - ولا القدرة الفعلية ربما - على فرض إرادتها، خصوصاً على الطرف الإسرائيلي، الذي يصرّ على اعتبار أيّ تدخل أمني أو سياسي خارج إشرافه، «خطّاً أحمر». ولذا، فإن المُرجّح ما بعد الزيارة هو استمرار الكلام عن «التقدّم»، لكن من دون التزامات قابلة للتنفيذ.

ترى إسرائيل في التصعيد - حتى لو كان «مسقوفاً» - وسيلة فعّالة لإحباط مبادرات لا تريدها

على أن أهمّ ما في اللقاء، يكاد يتجاوز غزة تماماً، إلى ساحات المواجهة القريبة والبعيدة، وهي لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن؛ علماً أن هذه كلّها ملفّات منفصلة ومشتركة في آن واحد، وهي تهدّد، وإنْ بدرجات متفاوتة، مصالح أميركا وإسرائيل معاً. ومع تصاعد التهديدات المتبادلة بين تل أبيب وطهران، يبرز الملف الإيراني كأداة مساومة حاسمة؛ فالرئيس الأميركي، وعلى رغم تشدّده الظاهر تجاه إيران، لا يرغب في شنّ حرب شاملة تربك حساباته الإقليمية وغير الإقليمية، في حين أن إسرائيل لا تستطيع تجديد الحرب من دون غطاء وربما انخراط أميركي فيها.

ولهذا، ربّما يكون ترامب قدّم لنتنياهو «ضمانات شفهية» بالتصعيد غير العسكري أو بموجة عقوبات جديدة، وذلك في مقابل موافقة الأخير على خطوات شكلية في غزة. وهكذا، تستطيع القيادة الإسرائيلية إظهار الصلابة لجمهورها اليميني، وتجدّد الولايات المتحدة الدعم لحليفتها، بينما تُدار الأمور في الخلفية بآلية واحدة: التهديد من دون التنفيذ، والردّ من دون التصعيد.
أمّا في الساحات الساخنة الأخرى خارج غزة، فلا توجد مساومات، بل مجرّد ضغوط متوازية وحسابات منفصلة. فعلى رغم محاولات تظهير الزيارة على أنها «صفقة شاملة» تُدار عبر مقايضات محسوبة (غزة مقابل إيران، لبنان مقابل سوريا)، فإن واقع الحال أقرب إلى تداخل ضغوط متوازية، لا إلى تبادل ومقايضات. فكلّ ساحة من الساحات لها خصوصيتها وظروفها وعواملها، وليست مجرّد ورقة يقدّمها نتنياهو أو ترامب، في غرفة مُغلقة.

ففي غزة، القرار مرهون بقدرة «حماس» والفلسطينيين على الصمود، ومدى استعداد مصر وقطر لدفع بدائل واقعية من الحركة، وليس فقط برغبة الولايات المتحدة في التهدئة، أو إسرائيل في الانتصار الكامل، وإلّا لَما كان الوضع انتظر أكثر من عامين، من دون تحقيق نتائج جذرية. وفي إيران، يدار التصعيد بمعزل عن غزة، ذلك أن برنامج طهران النووي يتقدّم وفق جدوله الخاص، فيما برنامجها للصواريخ الباليستية والمُسيّرات لا ينتظر قراراً يأتي من فلوريدا. أمّا الضربة الاستباقية، إنْ حصلت، فستتقرّر بناءً على معطيات استخبارية تتعلّق بـ»التهديد» الإيراني، لا على «ثمن» تدفعه واشنطن مقابل تنازل إسرائيلي في غزة.

وفي لبنان، لا يزال التوازن على حاله، على رغم هشاشته، فيما الحلول الاجتثاثية، سواء العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، تبدو قاصرة عن تحقيق المطلب المشترك بين أميركا وإسرائيل، بغضّ النظر عمّا يُتفق عليه في فلوريدا. وفي خصوص سوريا، ربما يصار إلى وضع سقوف متّفق عليها تتيح لواشنطن الاستمرار في الرهان على أحمد الشرع ونظامه الهشّ الجديد، ولتل أبيب انتظار الفوضى التي تترقّبها. وفي اليمن، فإن عمليّات «أنصار الله» تُدار بحسابات يمنية محلية وعقائدية، ولا تُموَّل أو تُوجّه من طهران، في حين يبدو أن هناك تبايناً كبيراً بين الجانبَين في الموقف من هذه الجبهة. أمّا الساحة العراقية، فمليئة بالتحدّيات التي لا يمكن معالجتها عبر الحلول «التبادلية» بين الساحات.

في المحصّلة، ترى إسرائيل في التصعيد - حتى لو كان «مسقوفاً» - وسيلة فعّالة لإحباط مبادرات لا تريدها، كالتطبيع مع سوريا من دون ضمانات صارمة حول بقاء النظام ومصيره. كما تستخدم ذلك لمنع «مرحلة ثانية» في غزة قد تفتح الباب أمام عودة «حماس» كطرف لا يُستغنى عنه في أيّ ترتيب مقبل. أمّا الولايات المتحدة، فترى في الهدوء، ولو كان هشّاً ومؤقّتاً، وفي تأجيل الاستحقاقات المصيرية، فرصةً لشراء الوقت، وتصدير «إنجازات» يمكن استثمارها لتحقيق مصالحها، بما يشمل المصالح الشخصية لسياسيّيها.

على هذا، يمكن القول، إن زيارة نتنياهو لفلوريدا «مفصلية»، إنما لجهة كونها تجسّد التوازن الهشّ بين التصعيد والتسويف والتسوية، وهي مفارقة كبيرة جداً. وفي حين سيظلّ السؤال: إلى أيّ مدى نجح الطرفان في تأجيل ما لا يريدان فعله؟، ستُعلّق الأنظار على زيارة أخرى قادمة، ستوصف بأنها «أكثر مفصلية» ليتجدّد الرهان عليها وانتظار النتائج منها.

ترامب يشترط نزع سلاح «حماس» ويهدّد إيران
في ظلّ مساعٍ متسارعة لإعادة ترتيب الأولويات الإسرائيلية - الأميركية، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء أمس، لقاءه المفصلي مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وطغت على اللقاء تصريحات ترامب بشأن غزة وإيران، إضافة إلى العلاقات التركية ــ الإسرائيلية، وملف العفو المحتمل عن نتنياهو. وشدّد ترامب على أنّ «نزع سلاح حركة حماس» شرط أساسي لإتمام أي اتفاق نهائي بشأن قطاع غزة، معرباً عن أمله في «الوصول سريعاً إلى المرحلة الثانية». وأعلن أنه سيناقش مع نتنياهو خمسة ملفات كبرى، على رأسها غزة، مؤكّداً أنّ «إعادة إعمار القطاع ستبدأ قريباً».

وفي المقابل، صعّد ترامب لهجته تجاه إيران، محذّراً من أنه «إذا استمرّت (الأخيرة) في برنامجها الصاروخي، فإنه يؤيّد الهجوم» عليها، وإذا واصلت برنامجها النووي، فإنّ «الهجوم يجب أن يكون فورياً». وأشار إلى أنه «سمع أنّ إيران ترغب في التوصل إلى اتفاق»، معتبراً ذلك «أكثر حكمة من إعادة بناء القدرات النووية».

وفي المقابل، نقلت «القناة 15» الإسرائيلية أنّ نتنياهو يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية في أثناء اللقاء، تتيح له «إقناع شركائه بالمضي قدماً في المرحلة الثانية»، في حين أكّدت «القناة 12» أنّ إسرائيل ستحصل «على كل ما أرادت تقريباً، من غزة إلى إيران». غير أنّ هذه الأجواء لم تُخفِ وجود تباينات، إذ أفادت «القناة 12» بوجود فجوات بين مستشاري ترامب ونتنياهو، مبيّنةً أنّ المستشارين الأميركيين طالبوا بـ«تحسين الأوضاع في الضفة الغربية، خشية انهيار السلطة الفلسطينية، بما يشمل إعادة تحويل أموال المقاصة، ووقف اعتداءات المستوطنين، وتقييد البناء الاستيطاني».

وكانت كشفت «القناة 13» العبرية أنّ نتنياهو، أجرى عشية مغادرته تل أبيب، نقاشاً هاتفياً عاجلاً مع قادة المنظومة الأمنية، أبلغهم خلاله بأنه «سيضطر في نقاط معيّنة إلى تقديم تنازلات»، نتيجة الضغط الأميركي. وأضافت القناة أنّ نتنياهو تطرّق إلى مسألة فتح معبر رفح أيضاً، معتبراً أنّ «من الأفضل التوجّه إلى لقاء ترامب بقرار مسبق في هذا الشأن». وفي السياق نفسه، أفادت «هيئة البثّ الإسرائيلية» بأنّ «القيادة السياسية وجّهت الجيش بوقف بعض العمليات العسكرية حتى عودة نتنياهو من الولايات المتحدة».

وفي المقابل، نقلت مراسلة قناة «كان» العبرية عن ترامب، تأكيده أنّ الولايات المتحدة تريد «البدء بإعادة إعمار غزة أولاً، أو بالتوازي مع نزع سلاح حماس»، واصفاً فكرة مشاركة تركيا في هذا المسار بأنها «جيدة»، مع تأكيده أنه سيستمع إلى موقف نتنياهو. كما تطرّق ترامب إلى مسألة «العفو» عن نتنياهو، مشيراً إلى أنّ الرئيس الإسرائيلي أبلغه بأنّ «العفو قادم»، معتبراً أنّ عدم الإقدام عليه «سيكون أمراً صعباً للغاية»، واصفاً نتنياهو بأنه «رجل قوي». لكن ديوان الرئيس الإسرائيلي نفى حصول أي اتصال مباشر بين هرتسوغ وترامب، موضحاً أنّ «التواصل اقتصر على استفسار من ممثّل عن الإدارة الأميركية، تلقّى الردّ نفسه الذي قُدِّم للرأي العام الإسرائيلي».