كيف يُواجه لبنان "إسرائيل"؟

نوفمبر 5, 2025 - 08:00
 0
كيف يُواجه لبنان "إسرائيل"؟

 كتب نبيه برجي في "الديار":

لو كان المراسل البريطاني الرائع روبرت فيسك ("الاندبندنت") على قيد الحياة، لدعانا الى قراءة تحليلية أو الى قراءة ديكارتية للتوراة. النتيجة لا يمكن "لاسرائيل" أن تشعر بالاستقرار، وحتى بالبقاء، وأن يحتشد "الحاخامات" حول الهيكل للصلاة بانتظار ظهور "الماشيح"، الا بعد القاء القنبلة النووية أو القنابل النووية على مدينة أو أكثر، بما في ذلك اسطنبول وطهران.

فيسك الذي وضع "ويلات وطن"، بالاضافة الى مؤلفات أخرى كتبها من وحي اقامته في بيروت، التي مثلما كان يرى فيها قلب الشرق الأوسط، كان يرى فيها دماغ الشرق الأوسط، كان شغفاً في الحديث بين الحين والآخر، عن التشكيل الميتافيزيقي للعقل اليهودي، الذي حافظ على علاقة ملتبسة مع الله. لكنه كان واثقاً من تلك اللحظة التي ينفجر فيها العقل اليهودي، لشدة توتره، والقيام بعمل جنوني من المفترض أن يهز البشرية جمعاء. انها "قنبلة يهوه"، كما وصفها برنار ـ هنري ليفي، الفيلسوف الفرنسي الذي لم يسأل نفسه يوماً... أي "اسرائيل" دون أميركا؟

كاتبهم الكبير عاموس أوز الذي كان من دعاة حل الدولتين، وضد الاستيطان، كتب "لكأننا عدنا من أقبية التاريخ في أوروبا الى أرض الميعاد لنبقى في الخنادق". مؤلف رواية "يهوذا" مات عام 2018. لو كان حياً لكتب "... لنبقى في القبور" !

بنيامين نتنياهو انتهى من الحرب في غزة، بعدما حوّلها، وبدعم من دونالد ترامب الذي يريد تحويلها، فوق عشرات آلاف الجثث، (هكذا بنيت مدينة نيويورك فوق جثث الهنود الحمر) الى ريفييرا الشرق الأوسط. الآن تهديدات يومية الى لبنان، وكان وما زال يأمل بتحويله الى مقبرة أيضاً، لولا الضغط الأميركي والأوروبي، باعتبار أن القوة التي تقاتل "اسرائيل" محصورة في فئة بعينها وفي أمكنة بعينها. ولكن من يتصور أن أي حرب تشنها "اسرائيل" لن تؤثر على سائر المناطق، وسائر الطوائف اللبنانية، بل انها قد تفضي الى نهاية الدولة في لبنان. على الأقل الى احداث تغيير دراماتيكي في الصيغة اللبنانية، مع ما لذلك من تداعيات على البنية الفلسفية للظاهرة اللبنانية...

لا شك أن حزب الله، بالأخلاقية المعهودة، سيبذل المستحيل للحيلولة دون اضافة آلام أخرى، أو كوارث أخرى، ان لما يدعى "البيئة الحاضنة"، أو للطوائف اللبنانية كافة، وهي الطوائف التي استقبلت بلغة القلب مئات آلاف النازحين في مدنها وقراها وحتى في منازلها.

السؤال الذي يطرح الآن وسط التهديدات الاسرائيلية، والتي تأخذ منحى تصعيدياً خطيراً: اذا كان حزب الله لا يريد الحرب، ما البديل لديه عن المفاوضات، وحين يضغط الأميركيون في هذا الاتجاه، وكذلك حكومات عربية مؤثرة؟ هذه مسألة تتعلق بالسلطة اللبنانية ، التي يرى بعض كبار المستششارين القانونيين فيها، أن المفاوضات غير المباشرة بدعة ديبلوماسية لا نظير لها الا في "الخيال الايراني".

يضعون أمامنا سلسلة من الأمثلة: المفاوضات الفيتنامية ـ الأميركية حول انهاء الحرب والتي جرت في باريس وجهاً لوجه بين الجانبين، كذلك المفاوضات الجزائرية ـ الفرنسية التي عقدت في مدينة ايفيان بحضور ممثلين عن الطرفين، وحتى مفاوضات أوسلو بين الفلسطينيين و"الاسرائيليين"، ومفاوضات المصريين (كمب ديفيد) والأردنيين (وادي عربة) مع "الاسرائيليين". هنا النيران تدخل من النوافذ، ولا بد من اطفائها بأقصى سرعة ممكن، كما يقول الديبلوماسي الفرنسي الشديد المراس ميشال بارنييه، الذي كان يثير أعصاب البريطانيين، والدم الانكليزي البارد، خلال محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

حزب الله قال ان قرار السلم والحرب بيد الدولة، وفي هذا الاطار تندرج مسألة المفاوضات. لكن الخوف من بعض القوى أو حتى من بعض الوزراء ، الذين يدفعون في اتجاه عقد مفاوضات فورية مع "الاسرائيليين"، أي أن يدخل الوفد اللبناني الى ردهة المفاوضات ليتبادل القبلات مع "الوفد الاسرائيلي"، كممثلي دولة شقيقة (ربما بعدما وردت الى المسؤولين اللبنانيين كيفة تعامل المفاوضين السوريين مع المفاوضين "الاسرائيليين" ان في اذربيجان أو في فرنسا).

الرئيس عون هو المايسترو الآن. وكنا نقلنا عن مسؤول بارز في حزب الله ثقته به. هذا لا يحول دون اغفال الضغط الأميركي، الذي يتجاوز كل حدود التواطؤ (التواطؤ البشع) مع الدولة العبرية، حتى أن آموس هوكشتاين، الديبلوماسي الأميركي المحنك، المولود في مدينة القدس والذي خدم في "الجيش الاسرائيلي"، استغرب اللغة الفظة والعشوائية (اللغة العمياء)، التي يستخدمها توم براك، اللبناني الأصل والذي يتكلم كما لو أنه عضو في أحد الأحزاب اللبنانية، الذي يقول بفتح الأبواب أمام جحافل ايال زامير وفصائل مرهف أبو قصرة، لذبح قيادة الحزب وكل من يمت اليه بصلة.

في رأي مرجع سياسي كبير أن هذه الأيام "أيام لبنان" الذي يفترض أن يقف على قدميه، و"أيام اللبنانيين" الذين يفترض أن يكونوا في خندق واحد، بعدما كشف بنيامين نتنياهو كل أوراقه أمام الملأ، ودائماً لتنفيذ الوصية الحادية عشرة التي أنزلها "يهوه" على نتنياهو لا على موسى. أن يكون الشرق الأوسط في قبضة "الحاخامات". "حاخامات" واشنطن أم "حاخامات" أورشليم؟

هذه هي القاعدة الفلسفية للمواجهة. الاصرار على خط الهدنة دون وجود أي منطقة عازلة على الاطلاق، مع التأكيد على أن الميكانزم، بمهماتها التقنية والسياسية، هي الاطار المثالي لأي مفاوضات تؤمن الأمن والأمان على جانبي الحدود. أليس هذا ما يراهن عليه مستوطنو الشمال، ذئاب الشمال...؟ لو مرة أثبت اللبنانيون أنهم جميعاً للبنان!!