أيّام لبنانيّة «غامضة» بانتظار التاسع والعشرين من الشهر الجاري
يتناول عبد الهادي محفوظ البعد الديني-السياسي للتشدّد الإسرائيلي الحالي، في ظل اعتقادات يهودية متطرفة بظهور المسيح المنتظر عامي 2026–2027، وتأثير ذلك على سياسات حكومة نتنياهو ودور اليمين الديني. كما يحلل المقال الموقف الأميركي بقيادة دونالد ترامب، والتحولات الإقليمية المتسارعة، وانعكاساتها الخطيرة على لبنان وسوريا وفلسطين، مع التركيز على الجهود اللبنانية الرسمية لتجنيب البلاد الفوضى والحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة حرب إعلامية أميركية-إسرائيلية واسعة.
كتب عبد الهادي محفوظ:
في العام 1974 زار لبنان الباحث الفرنسي ريمي بلانشارد، ليروّج لكتابه في الجامعات اللبنانية، والذي يتناول «ظهور المسيح المنتظر عند اليهود». وفي دراسته التي ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور ريمون غوش يقول: «... من ابراهيم الخليل وحتى مجيء المسيح تبلغ المسافة الزمنية زهاء ألفي عام. وقد اقتربت نهايتها، وبالتالي حسب اعتقاد اليهود أنهم سيحكمون أرض الميعاد كي يرضى الله ويأتي، ويجعلهم يحكمون العالم من أورشليم».
حاليا هناك في «اسرائيل» من يعتقد من غلاة «اليهود» المتطرفين، أن ظهور السيد المسيح المرتقب سيكون في العام 2026 أو 2027، وأن الحكومة الحالية ومعها اليمين الديني تعمل بوحي من ذلك. ولذا فهي متشددة وتستوحي «أفكارا» توراتية في سلوكها، ليس بعيدا عنها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يذهب أبعد منه الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش.
ماذا يعني هذا الكلام، في ظل التحولات العميقة التي تمرّ بها المنطقة، وفي ظل تسونامي أميركي – «اسرائيلي» يتفاخر فيه كل من واشنطن و “تل أبيب” أنها هي التي حققته؟
الجواب معقد. فهناك موقف اسرائيلي متشدّد حتى حيال «الأفكار الأميركية» المطروحة حول السلام في المنطقة. وهذا الموقف الاسرائيلي استدرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى اعتبار «الجولان أرضا اسرائيلية» خلال دقائق معدودة من تفكيره في الأمر، حتى إنه لم ينتظر نتائج المفاوضات التي أجراها مبعوثه السفير توم بارّاك مع نتنياهو، والتي كان يحاول فيها التوفيق بين «المصالح الاسرائيلية» والتركية. أما في الأسباب «العميقة» لقرار ترامب، فإن المتحمسين لنتنياهو في الولايات المتحدة سرّبوا معلومات عن فضائحه الجنسية ونشرها، فيما لم يأخذ مطالب رئيس الحكومة الاسرائيلية في حساباته في سوريا ولبنان وغزة.
وهكذا، فإنه في التوجه الأميركي المستقبلي، مطلوب أميركيا تنازلات سورية ولبنانية وفلسطينية. ومثل هذه التنازلات قد تستدعي «تفجيرا» واسعا في المنطقة نتيجته الفوضى العارمة. وعلى ما يرى باحث غربي متخصص في شؤون المنطقة، أن «المايسترو الأميركي متمكن من الوضع العربي، ومتردد في الحالة الاسرائيلية».
ظروف صعبة تنتظرنا في آتي الأيام، رغم محاولات التهدئة الفرنسية والمصرية والسعودية، ومعها الأفكار الإيجابية للسفير الأميركي ميشال عيسى حيال لبنان. فنحن إزاء «حالة مزاجية» للرئيس ترامب، حيث يغيّر في «الأولويات الأميركية». حاليا ووفقا لمعلومات أميركية، «أولويته هي كيف يصادر نفط فنزويلا». وبالتالي علينا أن ننتظر ماذا سيخرج به لقاء ترامب ونتنياهو في التاسع والعشرين من هذا الشهر.
لا شك أن قائد الجيش العماد رودولف هيكل يقوم بجهود كبيرة، لتوفير شبكة أمان حول المؤسسة العسكرية، بهدف تحقيق «تفهم أميركي» للموقف الرسمي اللبناني من التفاوض، ومن حصر السلاح في يد الدولة جنوب الليطاني. ومن ثم الانتقال المتدرج نحو شمال الليطاني والعمق اللبناني، بعد توفير السلاح والمال للمؤسسة العسكرية، وتجنيب لبنان أي فتنة داخلية.
يعرف لبنان الرسمي أن الأمور ليست سهلة، رغم أخذه في الاعتبار للتحولات العميقة في المنطقة، ولتكيفه قدر الإمكان معها. وهو بلسان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، يُدرك أن ضمان لبنان من الانهيار هو وحدته الوطنية. ومن هنا إشارته الواضحة إلى الدور المخرّب الذي يقوم به «وشاة لبنانيين» وغير لبنانيين.
فالحرب «الاعلامية الثامنة» التي أعلن عنها نتنياهو ضد المنطقة بما فيها لبنان ، جنّد لها ألفًا من «قساوسة الانجيليين الجدد»، واستدعاهم إلى «اسرائيل» لتدريبهم على إلقاء الخطب في كنائسهم الأميركية، بهدف توسيع قاعدة التضامن مع حكومته، وخصوصا أن هؤلاء يعتقدون بأن «عودة المسيح ترتبط بقيام دولة اسرائيل القوية».


