العرب أمام لحظة حاسمة… وقمة الدوحة تتحرّك لصناعة نموذج تنموي جديد للمنطقة..
قمة الدوحة للتنمية المستدامة وريادة الأعمال تأتي كمنصّة عربية شاملة لمعالجة التحديات التنموية في المنطقة، من خلال تمكين الشباب والمرأة، ودعم الابتكار والمشاريع الخضراء، وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية لبناء نموذج عربي جديد قائم على الاقتصاد المستدام والتحول الرقمي.
كتبت هناء بلال
في الوقت الذي يشهد فيه العالم سباقًا محمومًا نحو التحول الأخضر والاقتصاد الرقمي، ما يزال المشهد العربي يواجه تحديات مركّبة تعيق تحقيق التنمية المستدامة بالوتيرة المطلوبة؛ من بطالة الشباب واتساع الفجوات الاجتماعية، إلى محدودية الابتكار وضعف تكامل السياسات البيئية والاقتصادية. ورغم امتلاك المنطقة ثروات بشرية وطبيعية هائلة، إلا أنّ غياب منظومات الابتكار، وتواضع الشراكات الإقليمية، وعدم كفاية التمويل الموجّه للمشاريع الخضراء، جعل العالم العربي يقف أمام منعطف حاسم: إمّا اللحاق بركب التحولات العالمية، أو الاستمرار في دوائر النمو التقليدي التي لم تعد صالحة لمستقبل سريع التغيّر.
من هنا تبرز قمة الدوحة للتنمية المستدامة وريادة الأعمال كمنصّة عربية نوعية تسعى إلى سدّ هذه الفجوة، عبر الجمع بين صناع القرار وروّاد الأعمال والخبراء والمستثمرين في إطار واحد. القمة لا تكتفي برفع الشعارات، بل تطرح مسارًا عمليًا يربط بين الابتكار والاقتصاد الأخضر، ويمنح الشباب والمرأة مساحة تأثير حقيقية، ويعيد صياغة مفهوم الشراكات التنموية على مستوى المنطقة. إنها محاولة لبناء نموذج عربي جديد يعتمد على المعرفة والابتكار والشراكات العابرة للحدود، ويضع التنمية المستدامة في قلب السياسات الاقتصادية، لا في هامشها.
تأتي القمة في لحظة إقليمية ودولية حسّاسة:
-
المنطقة العربية تواجه ضغوطًا اقتصادية، وتحديات مناخية، وتحولات تكنولوجية متسارعة.
-
في المقابل يتصاعد الحديث عالميًا عن الاقتصاد الأخضر، والتحول الرقمي، والعدالة الاجتماعية باعتبارها ركائز لأي نموذج تنموي حديث.
-
في هذا السياق تُطرح “قمة الدوحة للتنمية المستدامة وريادة الأعمال” كمنصّة عربية مشتركة تجمع: الحكومات، القطاع الخاص، الجامعات، المستثمرين، والمنظمات الإقليمية والدولية، بهدف صياغة رؤية عربية مشتركة للمستقبل المستدام، لا تكتفي بالنقاش النظري بل تبحث عن شراكات ومشاريع عملية عابرة للحدود.
اختيارالدوحة ليس صدفة؛ فالعاصمة القطرية كرّست نفسها خلال السنوات الأخيرة كمدينة للمؤتمرات والمبادرات التنموية والريادية في المنطقة، والقمة الجديدة تُكمّل هذا الدور من خلال توجيهه بشكل واضح نحو الاستدامة وريادة الأعمال الخضراء.
-
الأهداف المعلنة للقمة
يقدّم المؤتمر مجموعة من الأهداف الواضحة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية
تعزيز الوعي العربي بأهمية الدمج بين الريادة والتنمية المستدامة
ليس باعتباره “موضة” عابرة، بل كمسار استراتيجي للنمو الاقتصادي والاجتماعي وحماية البيئة في آن واحد.
تمكين الشباب والمرأة اقتصاديًا
عبر دعم الأفكار المبتكرة، والمشاريع الناشئة، والمبادرات الخضراء، وتوفير بيئة تشريعية وتمويلية حاضنة لهم.
دعم الابتكار والمشاريع الخضراء
تشجيع الحلول التكنولوجية والنماذج الاقتصادية التي تقلّل الأثر البيئي وتوفّر فرص عمل نوعية، خصوصًا في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، الزراعة الذكية، والتنقل المستدام.
تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية المستدامة في الدول العربية
إبراز المشاريع القابلة للاستثمار، وربطها بصناديق التنمية والمستثمرين العرب والدوليين.
بناء شراكات عربية ودولية فاعلة
بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية؛ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) عبر مشاريع مشتركة طويلة الأمد.
تبادل الخبرات والقصص الناجحة
عرض تجارب عربية وعالمية في ريادة الأعمال الخضراء والتحول الرقمي، بهدف تعلّم الدروس وتعميم النماذج الناجحة في دول أخرى
ثالثاً: المبادئ الخمسة الحاكمة للقمة
تقوم “قمة الدوحة 2026” على خمسة مبادئ رئيسية تمثّل الأساس الفكري لكل الجلسات وورش العمل حول
الاستدامة
تبنّي ممارسات اقتصادية واجتماعية تراعي البيئة وتدعم العدالة الاجتماعية، بما ينسجم مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
التمكين
التركيز على بناء القدرات البشرية والمؤسساتية، وفتح آفاق أمام الشباب والنساء وأصحاب المشاريع الناشئة، بحيث يكونون شركاء حقيقيين في صنع القرار الاقتصادي.
الابتكار
تشجيع التفكير الإبداعي واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إيجاد حلول جديدة للتحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
الشراكة
تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والجامعات والمنظمات الإقليمية والدولية، لتكوين منظومة متكاملة تدعم النمو المستدام.
المسؤولية
التأكيد على أن التنمية ليست مجرد قرارات تقنية أو اقتصادية، بل التزام أخلاقي وسياسي يتطلّب دمج مبادئ الاستدامة في السياسات العامة وفي سلوك المؤسسات والشركات.
هذه المبادئ ليست شعارات، بل تُستخدم كمعايير عملية لتصميم الجلسات، واختيار المتحدثين، وتقييم المبادرات التي ستُطرح خلال القمة.
رابعاً: الفئات المستهدفة… من صاحب الفكرة إلى صانع القرار
القمة لا تخاطب فئة واحدة، بل شبكة واسعة من الفاعلين في فضاء التنمية والريادة في العالم العربي. الملف التعريفي يحدّد سبع فئات رئيسية مستهدفة
روّاد الأعمال والمبادرون الشباب
أصحاب الأفكار والمشاريع الناشئة الذين يبحثون عن تمويل، تدريب، وشبكات علاقات.
رائدات الأعمال وصاحبات المشاريع الصغيرة والمتوسطة
تأكيدًا على الدور المتصاعد للمرأة العربية في قيادة الأعمال والابتكار.
صنّاع القرار والمسؤولون الحكوميون
الوزراء، رؤساء الهيئات، ومستشارو السياسات الذين يمكنهم تحويل مخرجات القمة إلى تشريعات وبرامج وطنية.
المستثمرون وصناديق التنمية والاستثمار
سواء كانت حكومية أو خاصة أو عربية مشتركة، بهدف ربطهم بالمشروعات ذات الأثر التنموي.
مراكز البحوث والجامعات وخبراء التنمية والاقتصاد
لإدماج المعرفة العلمية في صياغة السياسات، وتوفير بيانات وأبحاث داعمة للقرارات.
المنظمات الإقليمية والدولية الداعمة للتنمية
مثل المنظمات العربية المتخصصة، والوكالات الأممية، والبنوك الإنمائية.
الجمعيات والمؤسسات المجتمعية المهتمة بالاستدامة
باعتبارها الأقرب إلى المجتمعات المحلية والأقدر على تنفيذ المشاريع على الأرض.
هذا التنوع في الجمهور المستهدف يهدف إلى خلق “منظومة كاملة” تمتد من الميدان المحلي إلى المنصّات الدولية.
خامساً: المحاور العلمية للقمة
الملف التفصيلي للقمة يقسّم برنامجها إلى محاور أو مسارات رئيسية، تُوزَّع عليها الجلسات والحوارات وورش العمل. الصور التي أرسلتها تُظهر بوضوح ثلاثة من هذه المحاور (الخامس والسادس والسابع)، بينما تتناول المحاور الأخرى قضايا قريبة من الأهداف العامة مثل الدمج بين الريادة والاستدامة، والتمكين الاقتصادي، والتمويل والاستثمار.
اولا: الابتكار والتكنولوجيا في خدمة التنمية
يركّز هذا المحور على دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إحداث تحوّل تنموي حقيقي، ومن أبرز موضوعاته كما يرد في الملف:
-
التكنولوجيا كحافز للتغيير الاجتماعي والاقتصادي؛ أي كيف يمكن للتحول الرقمي أن يخلق فرص عمل جديدة ويحسّن الخدمات العامة.
-
الذكاء الاصطناعي في تطوير حلول مستدامة في قطاعات الزراعة، الصحة، التعليم، والطاقة.
-
دعم منظومات الابتكار الوطنية والإقليمية: حاضنات أعمال، مسرّعات، ومختبرات ابتكار.
-
تحفيز البحث العلمي التطبيقي المرتبط بقضايا التنمية المستدامة.
-
الاقتصاد القائم على المعرفة باعتباره محرّكًا للنمو في الدول العربية، وليس مجرد “ترفًا تقنيًا”.
ثانيا: الشراكات العربية والدولية نحو تكامل مستدام:
هذا المحور يترجم مبدأ الشراكة إلى نقاشات عملية حول:
-
الدور الإقليمي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكيف يمكن للمنظمات العربية المشتركة أن تنسّق جهودها.
-
دور المنظمات الإقليمية والدولية في تمويل مشاريع ريادة الأعمال والتنمية الخضراء.
-
الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، كنموذج لإدارة المشاريع الكبرى.
-
بناء تحالفات عربية–دولية في مجالات الابتكار والريادة والاستثمار المستدام.
-
مبادرات تمويل مشتركة لمشاريع الريادة الخضراء في أكثر من دولة عربية.
ثالثا: دور التعليم في تعزيز ريادة الأعمال والتنمية المستدامة (المحور السابع)
يركّز هذا المحور على الربط بين المدرسة/الجامعة وسوق العمل الريادي:
-
تحويل المؤسسات التعليمية إلى حاضنات لريادة الأعمال من خلال مراكز ابتكار، مسابقات، وشركات طلابية.
-
تكامل مناهج التعليم مع احتياجات السوق ومع مفاهيم الاقتصاد الأخضر والتحول الرقمي.
-
استخدام الذكاء الاصطناعي والتعليم الرقمي لبناء جيل قادر على التكيّف مع اقتصاد المعرفة.
-
تمكين المرأة والشباب عبر التعليم الريادي، وربطه بفرص تمويل وتدريب فعلية.
-
الشراكات بين القطاع التربوي والقطاع الاقتصادي لتعزيز ثقافة الريادة داخل المجتمع.
رابعا : محاور أخرى مكملة
إلى جانب ما سبق، تشير الأهداف والمبادئ المنشورة إلى وجود محاور أخرى تتناول موضوعات مثل
-
الدمج بين ريادة الأعمال وأجندة التنمية المستدامة في السياسات الوطنية.
-
التمكين الاقتصادي للفئات الهشّة، خصوصًا الشباب العاطلين عن العمل والنساء في المناطق الطرفية.
-
التمويل التنموي والاستثمار المسؤول، وصناديق تمويل المشاريع الخضراء.
حتى لو لم تُذكر عناوين هذه المحاور حرفيًا في المصادر المتاحة، فإن مضمونها ينسجم مع الأهداف العامة للقمة وبرنامجها المتوقع.
سادساً: الفعاليات والأنشطة المتوقعة خلال القمة
أن البرنامج لن يقتصر على الجلسات الافتتاحية والختامية، بل سيشمل حزمة واسعة من الفعاليات، من بينها
جلسات حوار رفيعة المستوى
بمشاركة وزراء ومسؤولين حكوميين وخبراء دوليين لمناقشة السياسات الكبرى، مثل التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وإصلاح بيئة الأعمال، ودور التشريعات في تشجيع الابتكار.
ورش عمل متخصصة
موجّهة لروّاد الأعمال والشباب، لتدريبهم على تصميم نماذج أعمال مستدامة، وقياس الأثر الاجتماعي والبيئي لمشاريعهم، وكيفية الوصول إلى التمويل.
عروض قصص نجاح عربية
شركات ناشئة، مبادرات مجتمعية، ومشاريع حكومية رائدة في مجالات الطاقة النظيفة، الزراعة الذكية، الاقتصاد الرقمي، وغيرها.
مساحات للتشبيك (Networking)
لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف بين المستثمرين وروّاد الأعمال، وبين الجامعات والقطاع الخاص، وبين الحكومات والمنظمات الدولية.
إطلاق مبادرات وشراكات جديدة
من المتوقّع أن تستغل بعض الجهات القمة للإعلان عن برامج تمويل، مسابقات ريادية، أو منصات عربية مشتركة للبيانات والمعرفة في مجال الاستدامة.
سابعاً: ما الذي يمكن أن تتركه القمة من أثر؟
إذا نجحت قمة الدوحة في تحويل النقاشات إلى برامج وشراكات حقيقية، يمكن أن يتحقق عدد من الآثار المهمة على المدى المتوسط:
-
بلورة نموذج عربي للتنمية المستدامة يراعي الخصوصيات المحلية، بدل استنساخ نماذج جاهزة من الخارج.
-
تسريع اندماج الشباب والنساء في الاقتصاد الجديد عبر مشاريع ناشئة، وبرامج تدريب وتمويل، وشبكات علاقات عربية عابرة للحدود.
-
تحفيز الاستثمارات الخضراء في الطاقة المتجددة، النقل النظيف، إدارة النفايات، والزراعة الذكية.
-
توسيع دور الجامعات ومراكز الأبحاث من مؤسسات تعليمية تقليدية إلى شركاء في الابتكار والتنمية.
-
بناء ثقة بين الفاعلين المختلفين (حكومات، قطاع خاص، مجتمع مدني) حول إمكانية العمل المشترك ضمن إطار واضح من المسؤولية والشفافية.
لكن في المقابل، سيُحكم على القمة في النهاية بمدى قدرتها على متابعة التنفيذ بعد انتهاء الحدث: هل ستُنشأ آلية عربية لمتابعة المشاريع؟ هل ستتحول التوصيات إلى تشريعات وبرامج؟ وهل ستُتاح بيانات مفتوحة عن نتائج القمة ومؤشراتها؟ هذه أسئلة ستُجيب عنها السنوات التي تلي
بالخلاصة ، “قمة الدوحة للتنمية المستدامة وريادة الأعمال 2026” هي محاولة لصناعة تحالف عربي جديد بين الريادة والابتكار والاستدامة، في زمن لم يعد فيه ممكناً فصل الاقتصاد عن البيئة ولا عن العدالة الاجتماعية.


