زغرتا شيّعت هنري ولورانس سليم معوّض مع رقيم بطريركي ورسالة من رئيس الجمهورية
شيعت زغرتا في مأتم رسمي وشعبي حاشد، الأخوين المحامي هنري ولورانس سليم معوّض في كاتدرائية مار يوحنا المعمدان زغرتا. وترأس صلاة الجنازة النائبُ البطريركي المطران إلياس نصّار ممثِّلًا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بمشاركة رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، والنائب العام على أبرشية طرابلس المارونية المونسنيور أنطوان مخايل، والمونسنيور اسطفان فرنجية، ولفيفٍ من كهنة الرعية والجوار وجمعٍ من المؤمنين.
كما حضر إلى جانب عائلة الفقيدين رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوّض وعقيلته السيدة ماريال، ممثل رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب ايلي خوري، النواب طوني فرنجية وميشال الدويهي وراجي السعد، النواب السابقون: إسطفان الدويهي، قيصر معوض ويوسف الدويهي، نقيب المحامين في الشمال مروان ضاهر، ممثل نقيب المحامين في بيروت المحامي ادوار طيون والنقيبة السابقة ماري تيريز القوّال، ممثّل مدير عام المخابرات الرائد ربيع صبّاغ، مناصرو "حركة الاستقلال" وممثلون عن الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجمع غفير من أبناء زغرتا–الزاوية.
بعد الانجيل المقدّس تلا امين سر البطريرك بشارة الراعي الخوري كميليو مخايل الرقيم البطريركي ومما جاء فيه:"
"البركةُ الرسوليةُ تشملُ بناتِنا وأبناءَنا الأعزّاء:
السيدةَ جاكلين جبّور بوديب، زوجةَ المرحوم المحامي الشيخ هنري سليم معوّض؛
والسيدةَ ماريا سايد المكاري، زوجةَ المرحوم الشيخ لورانس سليم معوّض؛
وابنهما الشيخ سليم، وابنتهما شيّان، وشقيقهما وشقيقتهما، وعائلاتهم، وسائر ذويهم وأنسبائهم في الوطن والمهجر المحترمين.
إنّه لمؤلمٌ جدًّا أن يجمع الموتُ بين الشقيقين العزيزين، المحامي الشيخ هنري والشيخ لورانس، ابني المرحوم سليم معوّض، في غضون يوم واحد. وإنّنا، ببالغ الأسى، نودّعهما معكم، ونرافقهما بالصلاة في عبورهما إلى بيت الآب في السماء، ذاك البيت الذي استحقّاه بإيمانهما المسيحي، وأخلاقيّتهما الإنسانية، وأبوّتهما المسؤولة، وعلمهما الرفيع.
لقد تأسّست حياتهما في البيت الوالدي، حيث تربّيا على يدي والدين صالحين هما المرحومان سليم يوسف معوّض ودامية قبلان المصري، إلى جانب شقيقين وشقيقة، وقد سبقهم إلى دار الخلود أحدهم، وهو المرحوم يوسف. ولهما أيضًا أصدقُ عاطفةِ مودّةٍ لخالهما وخالتهما.
تخرّج المرحوم الشيخ هنري من الجامعة اللبنانية حاملًا إجازة في الحقوق، وتابع فيها دراسات عليا، وعُرف بثقافته الواسعة وحبّه للمطالعة. وارتبط في سرّ الزواج المقدّس بشريكة حياة فاضلة هي السيدة جاكلين جبّور بوديب، فعاشا معًا حياة زوجية سعيدة، متفانية ومتعاونة، باركها الله بابنة وحيدة هي السيدة دامية. وقد نهضا بتنشئتها الروحية والأخلاقية، مكلّلتين ذلك بالعلم الجامعي الرفيع، فحصلت على الشهادات العليا في العلوم السياسية وإدارة الأعمال، واقترنت بشريك حياتها السيد شربل الجبور، ورُزقا بحفيدين كانا محطَّ حبّ جديهما واعتزازهما. كما أحبّ المرحوم الشيخ هنري بيتَ حميه بمحبةٍ صافية.
أمّا المرحوم الشيخ لورانس، فقد تخصّص في إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية، وعمل فيها وفي لبنان لسنوات طويلة، وعُرف بأنّه رجل مقدام، شجاع، محبّ للحياة وللناس. وارتبط في سرّ الزواج المقدّس بشريكة حياة فاضلة من بيت كريم هي السيدة ماريا سايد المكاري، فعاشا حياة زوجية سعيدة، أثمرت ابنًا وابنةً، وقد تعاونا على تربيتهما وتنمية ثقافتهما. فتخصّص سليم بإدارة الأعمال في جامعة البلمند، وتخصّصت شيّان بالصحافة والعلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت. وشدّ المرحومَ الشيخَ لورانس أيضًا عمقُ مودّته لعائلة حميه، المربّي سيّد رومانوس المكيْري.
نرفع معكم صلواتنا إلى الربّ يسوع المسيح، القائم من بين الأموات، كي يغمُر الفقيدَين العزيزَين بنور وجهه، ويمنحكم جميعًا تعزية السماء، والسلام الداخلي الذي يفوق كلّ عقل.
وتعاطى المرحوم الشيخ هنري الشأنَ السياسي منذ سنّ الشباب مع المغفور له النائب والوزير ورئيس الجمهورية الشهيد رينيه معوّض، ثم وقف إلى جانب اللبنانية الأولى الأسبق السيدة نائلة معوّض، فأسندت إليه إدارة مكتبها في وزارة الشؤون الاجتماعية، وكان عضوًا في مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان. ومن بعدها وقف إلى جانب النائب ميشال معوّض، نجل الرئيس الشهيد ورئيس حركة الاستقلال. وفي كل تلك السنوات كان خيرَ المعاونين، المخلصَ، المضحيَ بصمت، والمتواضعَ الذي لا يهمّه من الدنيا إلا إرضاءُ ربّه وضميره. وعُرف بهدوئه وسعيه الدائم إلى السلام، والتواصل، وبناء الجسور مع كل الناس. وتشهد له زغرتا – الزاوية بمساهماته في أوقات الفتن وحلّ النزاعات بين الناس وإرساء السلام، وخصوصًا إبّان الحرب الأهلية.
وقد أحبّ المرحوم الشيخ لورانس شقيقَه المرحوم الشيخ هنري محبةً عميقة، ورافقه في مرضه لسنين طويلة، وحزن لوفاته حزنًا كبيرًا حتى لحق به. ونحن اليوم أمام مشهد يختصر معنى الأخوّة الصادقة: روحان نشأتا معًا ورحلتا معًا، وكأنّ كلمة السيد المسيح تنطبق عليهما: «حيثما يكون اثنان باسمي أكون أنا الثالث بينهما». إننا نقف في وداع شقيقين عاشا معًا ورحلا معًا، وعزاؤنا أنّ الله شاء أن يجمعهما في الرحيل كما جمعهما في الحياة. رحمهما الله وجعل سيرتهما شاهدًا على معنى الرجولة والأخوة.
وعلى هذا الأمل، وإكرامًا لذكراهما، وإعرابًا لكم عن عواطفنا الأبوية، نوفد إليكم سيادةَ أخينا المطران إلياس نصّار، نائبَنا البطريركي السامي الاحترام، ليرأس باسمنا الصلاة لراحة نفسيهما وينقل إليكم تعازينا الحارة.
غمَرَهُما الله بوافر رحمته، وسكب على قلوبكم بلسم العزاء.
المسيح قام".
رسالة رئيس الجمهورية
وتلا الخوراسقف فرنجية رسالة تعزية باسم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون جاء فيها: "بعد التحية،
تلقّى فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بأسى نبأ وفاة فقيدكم الغالي، المرحوم المحامي الشيخ هنري سليم معوّض.
وفي هذا الظرف الأليم، نودّ أن ننقل إليكم مواساة فخامة الرئيس وتعازيه القلبية الحارّة، سائلين الله أن يمنح الفقيد الراحة الأبدية في ملكوته السماوي، وأن يُلهمكم الصبر والرجاء."
معوض
ثم نُقل الجثمان إلى مدخل الكنيسة، حيث القى رئيس "حركة الاستقلال" النائب كلمة جاء فيها: "اليوم... لا نودّع شخصًا. نودّع مدرسةً ورمزًا وصخرةً بُنيت عليها حركةُ الاستقلال.
الشيخ هنري... انتظرني.
انتظرني خلافًا لكلّ توقّعات الأطباء،
وكأنّه لم يشأ، حتى في رحيله، أن يُشكّل عبئًا على قضيتنا.
وفي اللحظة التي أنهيت فيها المهمة، وحطّت طائرتي في مطار بيروت،
وعشية الذكرى السادسة والثلاثين لاستشهاد الرئيس رينه معوّض ورفاقه...
في تلك اللحظة بالذات... رحل.
رحل الجبل.
رحل ظلّ الرئيس رينه معوّض.
رحل الإشبين... والعرّاب... والدرع.
رحل الذي كان حارسًا للقضية والبيت... حتى آخر نَفَس.
لكنّه، هذه المرّة، وعلى غير عادة أيام حياته التي واجه فيها الصعاب وحيدًا...
لم يرحل وحده.
أخذ معه الشيخ لورانس:
لورانس رفيق طفولتي، الذي كان لي أكثر من أخ،
لورانس رجل العنفوان... رجل الأرض... رجل المهمّات الصعبة.
لورانس الذي كان مع الشباب... مع الكبار... مع الصغار...
في السراء والضراء.
نعم... رحل الركنان اللذان حملا القضية بدمائهما وبعرقهما.
الشيخ هنري... شيخ حركة الاستقلال...
لم يكن مسؤولًا أو قياديًّا وحسب.
بل جسّد بشخصه وبسلوكه مدرسة الرئيس رينه معوّض وقضية حركة الاستقلال.
كان، بحقّ، نَسّاكًا مدنيًا.
كان كفُّه نقيًّا كالثّلج،
خدم آلاف الناس، ولم يطلب يومًا شيئًا لنفسه.
رفض التكريم، والأضواء، والصفوف الأولى...
ولم يمتلك حتى سيارة.
عاش متواضعًا... ورحل متواضعًا...
لكنّه كان كبيرًا... كبيرًا جدًّا.
كان الشيخ هنري ابنَ مشروع الدولة بحقّ.
واجه يوميًّا، بصمتٍ وصَرامة:
ثقافة العنف،
والاستقواء الميليشياوي،
والعصبيّات العائلية،
والتعدّي على كرامة أيّ إنسان—ولو كان من أقرب المقرّبين.
ومن هذا المنطلق، ناضل طوال حياته ليحافظ على توازن زغرتا – الزاوية،
وعلى التعدديّة...
خدمةً للحرية... والاستقرار... والتقدّم... وكرامة كل فردٍ منّا.
الشيخ هنري جسّد نهج الرئيس رينه معوّض: نهج "المرونة الصلبة".
فقد بقي، طوال حياته، ابنَ قضيةٍ لم تلِن:
دخل السجن من أجلها...
وتعرّض للتهديد والوعيد من المسؤولين السوريين الذين حكموا الشمال ولبنان...
وظُلِم في موقعه... وفي رزقه... من أجلها.
ومع ذلك...
بقي ثابتًا، شامخًا لا يتزعزع:
في وجه الميليشيات،
وفي وجه العنف،
وفي وجه الوصاية،
وفي وجه القمع،
وفي وجه التعدّي على حرية الناس وكرامتهم.
وفي الوقت نفسه...
كان شيخَ السلام والانفتاح:
مدّ يده للخصوم قبل الحلفاء،
ورفض "الغيتوات" المغلقة،
والعصبيات العائلية المدمّرة،
والتشنّج... والدم...
التي لطالما كانت وصمة عار على مجتمعنا لعقود.
الشيخ هنري ليس بحاجة إلى تكريم.
فحياته بحدّ ذاتها كانت تكريمًا.
كانت رسالة... وكانت قدوة...
وستبقى قدوةً في ذاكرتنا وضميرنا.
وداعًا يا شيخ هنري.
وداعًا يا شيخ لورانس.
سلّمَا على الرئيس رينه معوّض،
وعلى الرفاق الذين سبقوكم...
رفاق الدرب والقضية.
أمّا نحن... فهنا باقون.
ثابتون، صلبون، رغم كلّ الصعاب...
سنُكمل الطريق.
مع جاكلين... ودميا...
مع ماريا... وسليم... وشيان...
مع كل مؤمنٍ بمدرسة رينه معوّض...
ومع كل مناضل في حركة الاستقلال.
سنُتابع...
وسنظل نُتابع... من دون تردّد، ومن دون ملل...
حتى تنتصر قضية الرئيس معوّض التي ضحّيتم من أجلها:
قضية لبنان الوطن، لا الساحة...
قضية الدولة السيدة...
دولة السلاح الشرعي والقرار الشرعي والقانون والإصلاح...
قضية التوازن... والحرية... والتعدديّة...
وقضية التغيير في منطقتنا وفي كل لبنان...
قضية الإنسان... وحريته... وكرامته.
سقط الأبطال... لكنهم سيبقون في ذاكرتنا أحياء".


