"منجفّف اللبن لنرفع الوطن”… جمهورية الكشك اللبنانية

نوفمبر 5, 2025 - 07:45
 0
"منجفّف اللبن لنرفع الوطن”… جمهورية الكشك اللبنانية

 كتبت زينة أرزوني في "اللواء":

 في بلدنا لبنان الذي تتنازعه القرارات والمراسيم والبيانات، ويمرّ فيه كل خميس مجلس وزراء يكتب محاضر الجدل أكثر مما يكتب محاضر الأمل، خرج من بين السطور البند الخامس والعشرون في جدول أعمال جلسة الخميس المقبل، كزهرة برّية في حقل من الكلام الجاف، طلب من وزارة الزراعة بتخصيص يوم وطني للكشك.

هكذا، بكل وقار إداري، أطلّ اللبن المجفّف على طاولة الوزراء، محاطا بهيبة الملفات الأمنية المعنونة بعرض قيادة الجيش للتقرير الشهري حول خطة حصر السلاح في كافة المناطق اللبنانية، اضافة الى الملف الانتخابي، وكأنه يقول لهم: "يا جماعة، إذا ما عرفتوا توحّدوا الوطن، وحّدوه بصحن كشك."

وهنا يتساءل اللبناني وهو يقلب رزنامة أعياده العجيبة، لماذا الكشك؟ لماذا لا يكون يوم وطني للزيتون، وهو شجرة الإنجيل وصبر الأرض؟، هل تم إستبعاد شجرة الزيتون لأن غصنها يرمز الى السلام، وكلمة سلام اليوم تحمل عدة معاني في طياتها، أم لأن أشجار الزيتون ما زال جنودها في الجنوب يحرسونها من الجرافات الإسرائيلية؟ وطرح تخصيص يوم وطني لها يمكن أن يؤدي الى حرب أهلية؟

لماذا لا يكون يوم وطني للزعتر الذي علمنا كيف نخلط الخشونة بالكرامة؟ أو للتفاح الذي هاجر من الجبال إلى الأسواق العربية والغربية مثل شبابنا؟

لكن يبدو أن الكِشْك فاز بالمعركة لأنّه لا يثير الحساسيات الطائفية ولا يحتاج إلى ترسيم حدود، بل يكفيه برغل ولبن وشمس، ولا يُطلق النار على أحد.

الكِشْك في نهاية المطاف هو ابن الفقر، ورفيق الغربة على المونة، وذاك الطعم الحامض الذي لا يُنسى، تماما كأخبارنا اليومية.

لو كانت فيروز بين الحاضرين على طاولة مجلس الوزراء، لربما همست بصوتها السماوي: "كان غير شكل الزيتون، كان غير شكل الصابون"، ثم أضافت بخجل شعري: "كان غير شكل الكشك لما صار له يوم وطني".
أما صباح، لكانت صفقت من شرفة الشمس وقالت: "عالبساطة البساطة يا عيني على البساطة"، قبل أن تضحك وتضيف:"بس ما تكون البساطة عَ حساب العقول"!


اما زياد الرحباني لكان إختار مشهد احتفالي من الريف اللبناني في إحدى مسرحياته، يجسد فيه ذلك اليوم الوطني الموعود عبر مهرجان في الساحات القروية تُنصب فيها خيمٌ بيضاء كحليب اللبن، تُعرض فيها أنواع الكشك ومنها الكشك الأخضر، الكشك بالبصل، الكشك على الطريقة العضوية مع رشة أفوكا، احتراما للذوق العصري الذي يريد "تراثاً دايت".

وتقف في هذا المشهد السيدات الريفيات بثيابهن المطرّزة، يلوّحن بالمناخل، فيما يُقام عرض عسكري رمزي تشارك فيه السيدات الريفيات حاملات المناخل والبرغل، تحت أنغام النشيد الوطني يُعزف بالملاعق الخشبية على قدر من نحاس.

أما المسؤول فيمكن ان يتخيله زياد وهو يقف على المنبر وهو يهتف قائلا:"منجفّف اللبن لنرفع الوطن".!

وسينال التصفيق، لا لأن الناس اقتنعت، بل لأنهم تعبوا من الجدل وأحبوا فكرة أن هناك شيئا ما ما زال يُرفع في هذا البلد ولو كان من لبن.

نحن شعبٌ بارع في صناعة الرموز والايام الوطنية، نحوّل رغيفنا إلى شعار، وحمّصنا إلى دبلوماسية، ومطبخنا إلى سياسة خارجية.

كيف لا وبعد قرار تخصيص يوم وطني للكشك، سيكون هذا المنتج هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وربما سيكون بمقدور لبنان منافسة فرنسا في تصدير الكشك العضوي، وقد نحصل على وعود وزارية بحصول كل بيت لبناني على "بطاقة دعم الكشك" ضمن مشروع الأمن الغذائي.

نحن لسنا ضد الأيام الوطنية ونتمنى ان يكون لكل منتج لبناني يوما وطنيا على غرار يوم التفاح اللبناني الذي يصادف في الخامس من تشرين الاول، ولكن هل نحن وطنيون فعلًا؟ ربما الجواب في صحن الكشك ذاته، نخلطه بالبرغل واللبن، لكننا نختلف على من يرشّ الملح، نحبّ الأرض لكننا نحب أكثر من يبيعها، نرفع الأغاني الفيروزية، ونمارس السياسة بطريقتنا "الكشكّية" كل فريق بطعمه الخاص.

بقى فكرة تخصيص يوم وطني للكشك فرصة لنضحك على حالنا قليلا، ونتذكر أننا بلد يملك طاقات كبيرة في السخرية، فالكشك رغم بساطته، يختصر حكايتنا فهو قادر على العيش بكل الظروف، حتى لو الجو حامض، والبلد فاشل بحسب منظم لقاءاتنا ومهندس اتصالاتنا الدولية والاقليمية والحريص على مصالحنا وأمننا القومي و"وطنجيتنا" العم توم باراك.