الرفاعي: لإلغاء وثائق الاتصال وإنهاء محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية
اعتبر مفتي محافظة بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي في خطبة الجمعة أن "الإنسانية ليست ادّعاءً يُرفع عند الراحة، بل موقفٌ يُختبر عند الألم؛ فمن كان قلبه حيًّا رأى في المظلوم أخاه، وفي الجائع نفسه، وفي الجريح جزءًا من روحه، وفهم أن كرامة الإنسان لا تتجزأ، وأن الرحمة صفة لا يكتمل إيمان العبد إلا بها".
وأكد أن "الأخلاق هي الحصن الذي يحفظ الإنسان من السقوط، وهي معيار التفاضل بين البشر حين تتساوى القوة وتتلاشى الشعارات. ومن لم يحمه خُلُقه فلن تحميه قوته، ومن فقد أمانته وعدله ولطفه، فقد خسر أجمل ما يميّز بني آدم عن سائر المخلوقات".
ولفت إلى أن "الرحمة أصلٌ في كل شريعة سماوية وقيمةٌ يُعرف بها أهل الفطرة السليمة؛ فهي التي تُلين القلوب، وتدفع الإنسان لمواساة المحتاج وإغاثة الملهوف، وتمنحه القدرة على مشاركة الآخرين آلامهم كأنها آلامه، فلا يبقى فردٌ في المجتمع مهمَلًا أو مكسورًا".
وتابع: "العدل هو ميزان الله في الأرض، وهو القيمة التي لا تستقيم حياة البشر دونها؛ فإذا اختلّ العدل ساد الظلم، وإذا ساد الظلم انهارت المجتمعات مهما امتلكت من قوة. والعدل يبدأ من كلمة صادقة، ومن موقف لا يخشى لومة لائم".
وأشار إلى أن"الكرامة الإنسانية حقّ لا يُمنح ولا يُنتزع، بل يولد مع الإنسان ويثبت معه حتى يموت؛ ومن أراد أن يعيش كريمًا فليحفظ كرامة غيره، ومن أراد أن يرفعه الله فليحفظ حرمة الإنسان، فالإهانة لا يقبلها قلب سليم، والظلم لا يرضاه رب العالمين، و التعاون والتراحم والتعاطف قيمٌ تصنع مجتمعًا يبنيه الحبّ لا المصلحة، وتجمع القلوب لا الأجساد فقط؛ فحيثما وجدت الأخلاق، وُجد الأمن، وحيثما وُجدت الرحمة، عمّ السلام، وحيثما ارتفعت قيمة الإنسان، تقرّبت الأرض من معنى الجنة".
وقال: "تأتي زيارة الحبر الأعظم إلى لبنان في لحظة حسّاسة نرجو أن تُعيد الاعتبار لقيم العيش المشترك، وأن تحمل رسائل أخلاقية جريئة تجاه ما يجري في منطقتنا. والعالم يتطلع إلى كلمته، وعينه على بيت لحم، حيث يولد النداء الدائم لرفع الظلم عن أهلها، ومخاطبة الصهاينة بأن الاحتلال لا يصنع سلامًا ولا يمنح قداسة".
وأردف: "العدو الصهيوني مستمر في نقض العهود والمواثيق، يمارس الاعتداءات نفسها في فلسطين ولبنان وسوريا، لا يردعه قانون ولا تردّه وعوده. فهو كيان قائم على العدوان، لا يعرف إلا التوحش، ويرى في المنطقة ساحة مفتوحة لاعتداءاته المتكررة".
وأضاف: "في الداخل اللبناني، ما زلنا غارقين في التفاهات اليومية، نتعامل بمنطق معزول عن التحولات العميقة التي تهزّ المنطقة، وكأن لبنان خارج محيطه العربي. المطلوب رؤية أوسع، وإدراك أن الوطن لا يمكنه الاستمرار بمنأى عن محيطه وعمقه".
وشدد على أن "معالجة الانتهاكات بحقّ الموقوفين تبقى ضرورة عاجلة: وقف التجاوزات، وإلغاء وثائق الاتصال، وإنهاء محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية. فصون كرامة الإنسان هو أساس أي إصلاح حقيقي".
وختم الرفاعي: "أهلُ غزة اليوم مدرسةُ صبرٍ لا تنطفئ، وشهادةٌ حيّة على أن الإرادة أقوى من الحديد والنار. رجالٌ ونساءٌ يصنعون بالثبات ما لا تصنعه الجيوش، ويواجهون الحصار والجوع والتهجير بقلوب معلّقة بالله، يدافعون عن الحقّ نيابةً عن أمّة كاملة".


